وبذلك اتسع موضوعه بدرجة كبيرة خاصة فى المحيط الجغرافى ، وفى هذا يتركز الاختلاف الجوهرى فى المنهج بينه وبين الزمخشرى. وتحتل مكانا بارزا من بين الأنساب التى عالجها أنساب إيران وما وراء النهر ؛ وهو يسوق أحيانا مادته إلى العصر الذى عاش فيه بل وكثيرا ما اقتصر علمنا ببعضها على روايته وحدها ، مثال هذا ما يورده تحت نسب الصينى عن شخصيات مختلفة تحمل هذا الاسم وزارت الصين فى أغراض التجارة أو العلم ؛ وهو يسوق فى هذا الصدد تفاصيل قد تسمح أحيانا بإلقاء ضوء على مسائل تتصل بعلاقة الصين لا ببلاد ما وراء النهر وحدها بل حتى بمناطق نائية كالمغرب (٣٤).
هذا وقد بدأ السمعانى فى وضع كتابه فى عام ٥٥٠ ه ـ ١١٥٥ ولم يلبث أن نال الشهرة التى يستحقها وأصبح خلال نصف قرن من ذلك مصدرا من المصادر الأساسية لياقوت الذى كان يحمل له تقديرا عاليا (٣٥).
وكما هو الحال دائما فقد لاح الكتاب بالنسبة للأجيال التالية هائلا ضخم الحجم وفى حاجة إلى الإيجاز فاختصره فى منتصف القرن الثالث عشر المؤرخ المشهور ابن الأثير بعنوان «اللباب» (٣٦) ، واختصر هذا بدوره فى القرن الخامس عشر عالم جم النشاط هو السيوطى وذلك تحت عنوان «لب اللباب». وهذه الكتب عرفتها الدوائر العلمية الأوروبية بفضل طبعاتها الجزئية منذ السنوات الثلاثينات من القرن الماضى ؛ أما كتاب السمعانى نفسه فقد تأخر ظهوره رغما عن أهميته الكبرى إلى عام ١٩١٢. وإخراج طبعة علمية مستوفاة لأثر ضخم متعدد النواحى مثل «كتاب الأنساب» أمر ليس باليسير ولعل ناشرى «سلسلة جب التذكارية» Gibb Memorial Series فعلوا خيرا حينما اكتفوا بنشر المخطوطة المحفوظة بالمتحف البريطانى على هيئة طبعة مصورة طبق الأصل (Facsimile). ويجب ألا يغيب عن الذهن أن هذه المخطوطة ليست أفضل المخطوطات الموجودة وأن قراءتها تتطلب أحيانا غير قليل من العناء والمشقة وذلك لخطها الدقيق الذى تصعب قراءته فى بعض المواضع. ولدينا بالاتحاد السوفيتى لحسن الحظ مخطوطة بمعهد الدراسات الشرقية جلبت من تركستان ويمكن على ضوئها تصحيح مخطوطة المتحف البريطانى ، وهى من ناحية القيمة أفضل من الطبعة المصورة رغما عن أن الاثنتين ترتفعان إلى أصل واحد على ما يظهر (٣٧) ؛ وعلى نقيض المختصرات المتأخرة التى عملت للكتاب والتى فقدت إلى حد كبير قيمتها العلمية حاليا فإن «كتاب الأنساب» للسمعانى سيبقى على أغلب الاحتمال محتفظا على الدوام بقيمته فيما يتعلق بالمسائل التاريخية ، والجغرافية المرتبطة ببلاد ما وراء النهر.
وأحد السابقين لياقوت مباشرة قد أفاد ياقوت كثيرا من مصنفه ولكن لا يمكن اعتباره عالما على الإطلاق بل رحالة ، ورحالة ذا أهداف معينة ، وهو على الهروى (توفى عام ٦١١ ه ـ ١٢١٥) ، وكما تدل نسبته فأصله من هرات ولكنه ولد بالموصل وارتبطت حياته بالبلدان الغربية للعالم الإسلامى (٣٨). وقد أمضى معظم حياته فى التجوال حتى لقب «بالسائح» ، ولكن تجواله لم يكن فى طلب العلم أسوة