شهرته الأساسية بالنسبة لنا هى كمؤرخ ، فقد أكمل تاريخ بغداد للخطيب
البغدادى وألف تاريخا معتمدا لموطنه مرو تواترت الأخبار أخيرا بالعثور على مخطوطته
ونقل عنه ياقوت . ولمصنفه «كتاب الأنساب» علاقة مباشرة بالأدب الجغرافى
بحيث يقدم لنا فرصة مواتية للتحدث عنه فى هذا الصدد.
وقد ساعد الوسط
الذى نشأ فيه السمعانى على تنمية ميوله العلمية فهو ينتمى إلى أسرة عربية استوطنت
مرو منذ عهد بعيد وخرج منها عدد كبير من العلماء والفقهاء ؛ هذا وقد اشتهرت مرو بمكتباتها الحافلة بالكتب إلى عهد
ياقوت. وتمكن السمعانى مبكرا من القيام بعدد من الرحلات فى «طلب العلم» وأمضى
فترات تختلف طولا وقصرا فى مراكز العلم القريبة من موطنه مثل بخارى ونيسابور
وأصفهان ، أو النائية مثل بغداد وحلب ودمشق والمقدس بل وعاش وقتا ما بالحجاز ؛
ويتراوح عدد العلماء الذين سمع منهم بين أربعة آلاف وسبعة آلاف ؛ ويستلفت النظر
أيضا العدد الكبير لمؤلفاته فالقائمة الموثوق بها تورد ما يقرب من خمسين مصنفا
معروفة لنا جميعها من أسمائها فقط باستثناء «كتاب الأنساب» المذكور.
وقد جعل
السمعانى هدفه من هذا الكتاب وضع مؤلف فى الأنساب التى اشتهرت بها شخصيات تاريخية
فى مجال أو آخر ؛ وترد فيه الأنساب مرتبة حسب حروف المعجم ؛ وإذا كان بعضها يرتفع
إلى أسماء أعلام قبلية أو تاريخية فإن الغالبية العظمى منها ترتبط بأسماء جغرافية
للنواحى والمدن والأماكن المختلفة. وبهذا يضحى مفهوما لنا أن القيمة الكبرى التى
ينالها الكتاب ليست من ناحية مادته التاريخية فقط بل والجغرافية كذلك. وترد فيه
الأنساب مزودة بالشرح الكافى مع ضبط الأعلام الجغرافية والتعريف بها تعريفا دقيقا
، ويصحب كل ذلك تعريف مختصر بسير الشخصيات التاريخية وذكر مصنفات العلماء الخ.
ولا شك أن
السمعانى لم يكن أول من صنف فى هذا الميدان فمن بين السابقين له يرد عادة اسم الدارقطنى فى القرن العاشر وقد وضع مرجعا فى «أسماء التابعين» ، ثم ابن ماكولا فى القرن الحادى عشر وقد ألف فى «أسماء
الرجال» ولعل أقربهم رحما بالسمعانى من حيث الموضوع هو ابن
القيسرانى (توفى عام ٥٠٧ ه ـ ١١١٣) الذى وضع مرجعا فى الأنساب المتشابهة طبع منذ عام ١٨٦٥ وأفاد السمعانى منه كثيرا. ومن هذا يتضح أن فكرة وضع
مصنف من هذا الطراز لم تنشأ لأول مرة لديه ، غير أن المؤلفين الآخرين اختلفوا عنه
من حيث أن هدفهم كان قبل كل شىء استيفاء ما يسمى «بعلم الرجال» (أى رواة الأحاديث
النبوية) ؛ وقد وجد من أمثال هذه المصنفات عدد غفير ولكن فائدتها اقتصرت على
مجالها فحسب ، لذا فليس غريبا أن يضفى النسيان ذيوله على من ذكرناهم من المؤلفين
السابقين للسمعانى فى خضم العدد الهائل للمؤلفين الذين كتبوا فى هذا الموضوع وألا
يحفل العلم الأوروبى بهم إلا فى مجال ضيق يهم المتخصصين فى أمثال تلك الموضوعات.
ولم تكن فكرة
السمعانى تحقيق أسماء الأشخاص بل توضيح أصل واشتقاق الأسماء التى نسبو إليها ؛