لا تزال تنتظر المزيد من التوضيح إذ يحيط بها الغموض منذ أيام أمارى ؛ ومن الجلى أن الأثر لا يبلغ مرتبة الآثار الأخرى كما وأن الاهتمام به لم يكن كبيرا (٢٥٧) (١).
وعلى نقيض الأندلس والمغرب فمن الملاحظ أن مصر لم تخرج فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر مصنفات جغرافية ممتازة طبقت شهرتها البلاد العربية الأخرى ، غير أنها حافظت على الدوام كما كان عليه الحال من قبل على إنتاج تلك المراجع الرسمية فى الإحصاء والإدارة التى يمكن تقصى بدايتها فى المقدمات الأدبية المختلفة التى عملت من أجل كتاب الدواوين منذ العهد العباسى ثم تتبع تطورها فى الموسوعات الكبرى لعهد المماليك بمصر. هذا وقد احتلت الجغرافيا مكانتها كعلم فى تلك المراجع الرسمية وهاته الموسوعات الكبرى كغيرها من العلوم الأخرى ، بيد أن التحليل العميق لمادة هذه المصنفات من شأنه أن يساعد على استخراج معطيات هامة تتعلق بالأوضاع الداخلية أو الخارجية للأقطار المختلفة.
وإلى هذا العصر ينتمى مصنف من ذلك النوع وصفه ابن ممّاتى ، واتضحت قيمته منذ أيام هامرHammer وقستنفلدWüstenfeld ووكد هذه الأهمية من أرّخوا لمصر الإسلامية مثل بكرBecker وبيوركمان Bjo؟rkman. وتتميز شخصية المؤلف نفسه فى بعض نواحيها بطرافة لا تقل عن طرافة كتابه (٢٥٨) ، فابن مماتى (توفى عام ٦٠٦ ه ـ ١٢٠٩) ينتمى إلى أسرة قبطية عريقة شغل عدد من أفرادها مناصب كبرى فى دواوين الدولة المختلفة. ولما وضع صلاح الدين يده على مصر (٥٦٤ ه ـ ١١٦٩) اعتنق ابن مماتى الإسلام وشغل فى عهد صلاح الدين وخلفائه منصب رئيس ديوان الجيش والمالية. وبعد أن تدعم سلطان الملك العادل بمصر فى عام ٥٩٦ ه ـ ١٢٠٠ اضطرت الدسائس ابن مماتى إلى الهرب إلى حلب حيث وافاه أجله المحتوم ؛ وقد سرد لنا سيرة حياته ياقوت الذى كان على معرفة تامة بنشاطه فى أواخر سنى حياته. وثقافة ابن مماتى الأدبية تقف فى أعلى مستو لذلك العصر ، وقد خلف لنا عددا من الآثار الأدبية يوجد اثنان منها ضمن مخطوطات جامعة لينينغراد (٢٥٩).
هذا وقد ساعده وضعه الحكومى فى الاطلاع على الوثائق الرسمية هذا إلى جانب معرفته الجيدة بالنظام الإدارى مما يضفى على كتابه «قوانين الدواوين» قيمة لامراء فيها. وإلى جانب الكلام على التعليمات الدواوينية البحتة فإن نصف الكتاب يبحث فى نظام الأراضى بمصر ويفحص فحصا دقيقا أنواعها ومساحتها وخراجها وغير ذلك من المسائل المتعلقة بها ؛ ولا حاجة لنا بالطبع إلى توكيد أهمية مثل هذه المادة. والكتاب معروف فى روايتين ، غير أنه مع الأسف لا توجد فى متناول اليد سوى القصيرة منهما ، أضف إلى هذا فى طبعة غير مرضية بل وموجزة أكثر (١٢٩٩ ه ـ ١٨٨٢) (٢٦٠) ، وهى ترجع إلى عهد السلطان العزيز (توفى عام ٥٩٥ ه ـ ١١٩٨) وتشمل عشرة فصول. أما الرواية
__________________
(*) من المعتقد أن اسم المؤلف هو أبو الفضل جعفر بن محمد المعروف بابن محشرة. وقد تناول الكتاب بالدرس والتحقيق أستاذ مصرى هو الدكتور سعد زغلول عبد الحميد ونشره مع تعليقاته سنة ١٩٥٨. (المترجم)