جزائر الزنج ومن أعظم هذه الجزائر الجزيرة المعروفة بسرنديب ويقال لها بالهندية سيلانديب ومنها تجلب أنواع اليواقيت جميعها ومنها يجلب الرصاص القلعى وسربزه ومنها يجلب الكافور ... ثم فى وسط المعمورة فى ارض الصقالبة والروس بحر يعرف ببنطس عند اليونانيين (٣٠) وعندنا يعرف ببحر طرابزنده لأنها لأنها فرضة عليه ويخرج منه خليج يمر على سور القسطنطينية ولا يزال يتضايق حتى يقع فى بحر الشام الذى على جنوبيه بلاد المغرب إلى الإسكندرية ومصر وبحذائها فى الشمال أرض الأندلس والروم وينصب إلى البحر المحيط عند الأندلس فى مضيق يذكر فى الكتب بمعبرة هيرقلس ويعرف الآن بالزقاق يجرى فيه ماؤه إلى البحر المحيط وفيه من الجزائر المعروفة قبرس وسامس ورودس وصقلية وأمثالها. وبالقرب من طبرستان بحر فرضة جرجان عليه مدينة آبسكون وبها يعرف ثم يمتد إلى طبرستان وأرض الديلم وشروان وباب الأبواب وناحية اللان ثم الخزر ثم نهر اتل الآتى إليه ثم ديار الغزية ثم يعود إلى آبسكون وقد سمى باسم كل بقعة حاذاها ولكن اشتهاره (٣١) عندنا بالخزر وعند الأوائل بجرجان وسماه بطلميوس بحر أرقانيا وليس يتصل ببحر آخر ... فأما سائر المياه المجتمعة فى مواضع من الأرض. فهى مستنقعات وبطائح (٣٢) وربما سميت بحيرات كبحيرة أفامية وطبرية وزغر بأرض الشام وكبحيرة خوارزم وأبسكون بالقرب من برسخان» (١) (٣٣).
إن قرائن الأحوال تشير إلى أن البيرونى كان يعتبر هذا الفصل جماعا للمعارف الجغرافية فى عصره ، وهو يعيد نفس هذا الكلام بإيجاز ولكن فى خطوطه الرئيسية فى كتابه «القانون المسعودى» (٣٤). وإذا ما رجعنا بذاكرتنا إلى وصف البحار الذى يقدمه قبل قرن من هذا البتانى للاحظنا اختلافا جوهريا بينه وبين البيرونى ، ذلك أن البتانى يسير على هدى المدرسة اليونانية فيقدم لنا الرواية الكلاسيكية القديمة دون تغيير تقريبا ، أما البيرونى فرغما من تأثره بالعلم اليونانى إلا أنه يعمل على مزجه بالمعلومات الجديدة التى حصل عليها الجغرافيون العرب فى ذلك العصر. ومن الميسور أن نستنتج من عرضه هذا بوصفه ملخصا شاملا لمعلوماتهم بعض الحقائق الجلية (٣٥).
لقد توفرت للعرب قرب ذلك العصر معلومات عن ساحل أفريقيا الشرقى إلى خط عرض ٢٠ درجة جنوبا ؛ أما عن البلاد الواقعة إلى الجنوب من ذلك فقد كانت فكرتهم بصفة عامة تستند على الظن والتخمين ولو أن علمهم بالكوارث التى كانت تتعرض لها السفن يشير إلى معرفتهم بطريق غير مباشر بمضيق موزمبيق. ويتضح أنهم عرفوا أفريقيا كجزيرة رغما من عدم توفر المعطيات الواقعية التى يمكن أن تبرر هذا ، ورغما أيضا من وجود أنصار عديدين لنظرية بطلميوس فى هذا الصدد. ويلاحظ عدم وجود أية إشارة فى كلامهم إلى وجود قارة جنوبية Antipodes))(٣٦) ؛ وتندر معلوماتهم عن أوروبا
__________________
(*) بحر ورنك هو بحر البلطيق ؛ والبربر الصومال ؛ وجزائر الزابج أندونيزيا ؛ والديبجات ارخبيل لكديف وملديف ؛ وبنطس البحر الأسود ؛ ومعبرة هيرقلس بوغاز جبل طارق وأتل الفولجا ؛ وبحيرة آبسكون هى بحيرة أيسيق كول. (المترجم)