ومجال نشاطه العلمى وأبحاثه هو الرياضة والفلك والعلوم المرتبطة بهما كالمتريولوجيا وجميع المسائل المتعلقة بحساب الوقت وصناعة أجهزة الرصد. ولعل زيارته للهند قد اضطرته إلى الاهتمام اهتماما كبيرا بالمعادن وذلك نتيجة لولع الحكام المحليين بالأحجار الكريمة ؛ وقد جره هذا إلى إجراء عدد من التجارب القيمة فى الوزن النوعى ؛ وفى أواخر أيام حياته يقع اشتغاله بالصيدنة (٢٢).
ومن الطبيعى أن يتجه اهتمام البيرونى فى ميدان الجغرافيا إلى الجانب الرياضى والفلكى. ولكن يتضح من كتابيه «الآثار الباقية» و «الهند» ، وهما اللذات اقتصر عليهما تداول الدوائر العلمية حتى عهد قريب ، أن البيرونى لم يقف عند هذين الفرعين بل ضرب فى جميع فروع العلوم الأخرى بنصيب. أما مصنفاته التى تعرف عليها العلم الحديث منذ عهد ليس بالبعيد فإنها تثبت أنه كان ملما بجميع المادة العلمية المعاصرة له. ويمكن إعطاء فكرة جيدة عن مدى اتساع أفق المعلومات الجغرافية فى عصره مما دونه بصدد توزيع البحار على سطح الأرض ، وذلك فى مصنف لم يقصد به فى الواقع إلى علم الفلك إنما قصد به التنجيم. قال :
«أما البحر الذى فى مغرب المعمورة وعلى ساحل طنجة والأندلس فإنه سمى البحر المحيط وسماه اليونانيون أوقيانوس ولا يلجّج فيه إنما يسلك بالقرب من ساحله وهو يمتد من عند هذه البلاد نحو الشمال على محاذاة أرض الصقالبة ويخرج منه خليج عظيم فى شمال الصقالبة ويمتد إلى قرب أرض بلغار بلاد المسلمين (٢٣) ويعرفونه ببحر ورنك وهم أمة على ساحله ثم ينحرف وراءهم نحو المشرق وبين ساحله وبين أقصى أرض الترك أرضون وجبال مجهولة خربة غير مسلوكة ... وأما امتداد البحر المحيط الغربى من أرض طنجة نحو الجنوب فإنه ينحرف عن جنوب أرض سودان المغرب وراء الجبال المعروفة بجبال القمر التى تنتج منها عيون نيل مصر (٢٤) وفى سلوكه غرر (٢٥) لا تنجو منه سفينة ... وأما البحر المحيط من جهة الشرق وراء أقاصى أرض الصين (٢٦) فإنه أيضا غير مسلوك ويتشعب منه خليج يكون منه البحر الذى يسمى فى كل موضع من الأرض التى تحاذيه فيكون ذلك أول بحر الصين ثم الهند وخرج منه خلجان عظام (٢٧) يسمى كل واحد منها بحرا على حدة كبحر فارس والبصرة الذى على شرقيه تيز ومكران وعلى غربيه فى حياله فرضة عمان فإذا ما جاوزها بلغ بلاد الشحر التى يجلب منها الكندر ومرّ إلى عدن وانشعب من هناك خليجان عظيمان أحدهما المعروف بالقلزم وهو ينعطف فيحيط بأرض العرب حتى تصير به كجزيرة ولأن الحبشة عليه بحذاء اليمن فإنه يسمى بهما (٢٨) فيقال لجنوبيه بحر الحبشة وللشمالى بحر اليمن ولمجموعهما بحر القلزم وإنما اشتهر بالقلزم لأن القلزم مدينة على منقطعه فى أرض الشام حيث يستدق ويستدير عليه السائر على الساحل نحو أرض البجة .. والخليج الآخر المقدم ذكره وهو المعروف ببحر البربر يمتد من عدن (٢٩) إلى سفالة الزنج ولا يتجاوزها مركب لعظم المخاطرة فيه ويتصل بعدها ببحر أوقيانوس المغربى وفى هذا البحر من نواحى المشرق جزائر الزابج ثم جزائر الديبجات وقمير ثم