بطرسوس عام ٣٣٥ ه ـ ٩٤٦ (١١١). وعنوان الكتاب فيما يبدو هو «دلائل القبلة» هذا إذا لم يكن حاجى خليفة (١١٢) ، قد استمده من تعبير ورد فى مقدمة المؤلف الدى يقول : «تتبعت من علم دلائل القبلة وزوال الشمس ومنازل القمر وطلوع الفجرين ومقادير الفىء وأوقات الصلاة مما ألفه الماضون قبلى» (١١٣). ويصفه حاجى خليفة بقوله إنه «مختصر أكثرها تاريخ وحكايات عن أحوال الأرض». هذا الطابع المزدوج لمحتويات الكتاب توكده المخطوطة الوحيدة المعروفة له والموجودة ضمن مجموعة شخصية ببيروت وأعطى وصفا مختصرا لها باللغة العربية صاحبها نفسه (١١٤) ، كما أثبت أصلها فى عام ١٩١٤ (١١٥) كاتب هذه السطور ولكنها لم تصل إلى أيدى الدوائر العلمية بعد (١١٦).
ومحتويات المخطوطة واضحة على العموم رغم أن أسلوبها لا يخلو من الخلط ؛ وهى تنقسم إلى إحدى عشر فصلا تتفاوت فى أحجامها ؛ وتتضح الأهداف الأصلية للكتاب من فصوله الأولى ، فالفصل الأول يحدد القبلة والثانى يعالج علاقة النجوم بها والثالث يتحدث عن مواقع البلدان المختلفة بالنسبة للقبلة والرابع عن شكل الأرض والموقع المركزى الذى تحتله فيها الكعبة. أما الفصول التالية فتحمل طابعا تغلب عليه الجغرافيا العمومية ، فالفصل الخامس يعالج الأطوال والعروض والسادس موقع مكة والجزيرة العربية من حيث الطول والسابع البحار والثامن الأنهار والتاسع تقسيم الأرض إلى أقاليم والعاشر الجبال. أما أطول الفصول وأكثرها افتقارا إلى التجانس فهو الفصل الحادى عشر الذى يتحدث عن البلدان المختلفة والذى جمع فيه المؤلف بلا أدنى تنسيق كل ما ظنه ذا علاقة بموضوع كتابه. فهنا يرد وصف لمسجد مكة كما يرد الكلام على الكعبة والمدينة والبصرة مع وصف قلعتى الخضر والخورنق من عهد الجاهلية ، ثم بيت المقدس والقسطنطينية ورومة مع وصف أسوارها ، وكهف الرقيم وسد يأجوج ومأجوج ، فصنعاء ومعها إرم الأسطورية ، والإسكندرية والأندلس وأصفهان وطبرستان وسمرقند. ويختتم الفصل بتصورات عن نهاية العالم وتاريخ الخلافة الإسلامية إلى عهد الراضى الذى ولى الخلافة عام ٣٢٢ ه ـ ٩٣٤.
ورغما عن الخلط فى كتاب ابن القاصّ فإن مادته الجغرافية واضحة بالنسبة لنا ، فالمؤلف فقيه يهتم بمسائل الجغرافيا الفلكية بالقدر اللازم لمطالب العبادة المختلفة التى أهمها تحديده اتجاه الصلاة ومواقيت الصلوات المختلفة. وإلى جانب هذا فهو يقدم خلاصة لما وقع إليه من «الفضائل» و «العجائب» عن البلاد والمدن المختلفة مستقيا ذلك من الحديث أو من المادة اللغوية. وفى الأحوال النادرة التى ترد فيها الإشارة إلى المصدر الذى ينقل عنه فقد أمكن التثبت من صدق قوله ، فهو مثلا يسجل وصفا للبصرة مأخوذا عن ألفاظ أحد أهليها وهو خالد بن صفوان (توفى عام ١٣٥ ه ـ ٩٥٢ ـ ٧٥٣) (١١٧) من مشاهير البلغاء وكان مقربا إلى الخليفة الأموى هشام (١٠٥ ه ـ ١٢٥ ه ـ ٧٢٤ ـ ٧٤٣) ووصف له بالفعل ذات مرة موطنه البصرة (١١٨). أما وصفه لرومة فقد أخذه عن قصة هارون بن يحيى المعروف لنا جيدا ، والذى كان فى أسر البيزنطيين فى أوائل القرن العاشر (١١٩)