فهم أفكارهم داخل الإطار العام للقرن للعاشر. أما بالنسبة للأدب الجغرافى وذلك فى مفهومه المستعمل فى هذا الكتاب فإن هذه الرسائل ترتبط به ارتباطا غير مباشر ولكنها لا تخلو من أهمية فى تحديد مدى الاهتمام بالجغرافيا لأنها تمثل أثرا ممتازا فى نطاق التاريخ الثقافى لذلك العصر.
ولم ينتج المغرب الإسلامى فى القرن العاشر أية مصنفات جغرافية ممتازة حتى يتسنى لها انتشار واسع. ولقد ساهمت مصر والمغرب والأندلس فى هذا العصر بالكثير فى محيط الجغرافيا الإقليمية مما ورد ذكره فى موضعه ، ولكن المصنفات ذات الطابع العام كانت قليلة العدد وليست بذات أهمية تذكر.
ويمكن أن ينسب بشىء من التحفظ الى هذا العصر مصنف لمؤلف يدعى إسحق بن الحسين نشرته منذ خمسة عشر عاما أنجيلا كوداتسى Angela Codazzi ويحمل عنوانا فيه الكثير من أثر الصنعة هو «آكام المرجان فى ذكر المدائن المشهورة فى كل مكان». وقد حفظ لنا فى مخطوطة فريدة من مجموعة معروفة تمتاز بالأصالة بميلان وتقتصر كلية على مخطوطات من جنوب الجزيرة العربية. ولم يمكن العثور حتى الآن على أية معلومات عن المؤلف (٩٤) ويبدو أن الكتاب قد تم تأليفه بالأندلس ، الأمر الذى يمكن ملاحظته من استعماله لتعبيرات لغوية خاصة (٩٥). وتحليل مصادر هذا الكتاب الذى قام به إلى جانب الناشرة مينورسكى وأومنياكوف Umniakov يشير إلى أن تأليفه قد تم فيما يغلب على الظن فى منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر) ؛ ومن الجائز كذلك أن يمتد هذا التاريخ إلى قرن بعد هذا ، ولكن لن يتجاوز بأية حال عام ٤٥٤ ه ـ ١٠٦٢ (٩٦).
ومن الواضح من مضمون الكتاب أنه لم يحفظ صورته الأصلية بل يمثل فى العموم ملخصا لمصنف أكبر من ذلك بكثير تستند فكرته الأساسية على وصف المدن الكبرى (٩٧) ، وهو نمط من الأدب الجغرافى أولع به الناس كثيرا فيما بعد. وليست واضحة لنا فى جميع تفاصيلها طريقة تصنيفة لمادته ، فبعد الكلام على المراكز الدينية وهى مكة والمدينة وبيت المقدس يأتى الكلام على بغداد ويتلو ذلك الحديث عن بلاد الشرق كالعراق والجزيرة العربية وفلسطين وإيران وما وراء النهر ، ثم عن الغرب كمصر والمغرب والأندلس ؛ ويفرد وصفا خاصا لرومه والقسطنطينية. ولسبب ما يعقب آسيا الصغرى الحديث عن «مدينة الزابج بالهند» ، وفى الخاتمة يأتى وصف بلاد الترك (٩٨) والخزر.
وتجىء الأوصاف بوجه عام قصيرة جدا وكثيرا ما يصحبها تحديد المواقع الجغرافية ، أى تبيان خطوط الطول والعرض. وقد يرد الكلام عن فتح مدينة ما فتعطى معلومات موجزة فى الجغرافيا الطبيعية والسياسية قد تتسع بعض الشىء كما هو الشأن مع القسم المفرد للأندلس. وتقل المعلومات ذات الطابع الاثنوغرافى (٩٩) ولو أن الفصول المتعلقة بالخزر والترك ربما تمثل أهمية خاصة. ورغما عن ذلك فقد ثبت فى بحثين خاصين غالحا؟؟؟ هذه النقطة أن كتاب إسحاق بن الحسين لا يقدم عنهما سوى تفاصيل ثانوية تستند