أقسام غير متساوية الحجم ، ففى القسم الأول يرد الكلام على أقسام المنطقة
ومدنها والمواضع العامرة منها ؛ أما القسم الثانى فيبحث فى المناخ والزرع والطوائف
واللغة والتجارة والأوزان والنقود والعادات والمياه والمعادن والأماكن المقدسة
وأخلاق السكان والتبعية السياسية للقطر والخراج ؛ هذا فى حين يتناول القسم الثالث
ذكر المسافات وطرق المواصلات . وليس من العسير أن نلاحظ أن المقدسى قلّ أن يولى
اهتمامه للجغرافيا الطبيعية كأن يصف مثلا الجبال والمياه إلخ ، ولكنه فى مقابل ذلك
يقدم لنا لأول مرة مجموعة هائلة من المعلومات عن التجارة والمعتقدات والعادات.
ويبدأ وصف
المناطق المختلفة ، وذلك وفقا للترتيب المشار إليه ، بجزيرة العرب فالعراق فأقور فالشام فمصر فالمغرب فبادية الشام التى ينتهى بها القسم
الأول. أما القسم الثانى فيبدأ بالمشرق الذى يقسمه المقدسى إلى بلاد الهياطلة
وخراسان والديلم وأرمينيا ومعها أذربيجان والجبال وخوزستان وفارس وكرمان والسند
ومفازة فارس. وهكذا نجد أن الجزء الأساسى من كتابه إنما يسير حسب المنهج العام
للمدرسة الكلاسيكية على الرغم من استطرادات المؤلف العديدة.
ولعل لغة
المقدسى وأسلوبه ينتميان لا إلى أعسر أساليب هذه المدرسة فحسب بل إلى أعسر أساليب «مكتبة
الجغرافيين العرب» Bibliotheca Geographorum Aabicorum
اطلاقا. وإذا كان الاصطخرى يتبع أسلوبا مبسطا فى كتابه ويمكن تفسير بعض الوعورة
فيه بأن اللغة العربية لم تكن لغته الأصلية ، وأن ابن حوقل بدوره لا يخلو من آثار
الصنعة والتكلف والميل إلى السجع فإن المقدسى قد أوفى على الغاية فى هذا الباب ،
إذ بالرغم من تملكه لناصية اللغة نراه يلجأ إلى الصنعة المرهقة فيفسح المجال للسجع
لا فى بداية الكتاب وخاتمته فحسب بل وفى صلبه أيضا ، ولداع أو لغير داع. ويحفل متن
المقدسى بالألفاظ الصعبة القليلة الاستعمال لأنه كان يميل بعض الشىء إلى غريب
اللغة. وهو يقول فى خاتمة أحد الفصول الأولى :
«وسنتكم فى كل
إقليم بلسانهم ونناظر على طريقتهم ونضرب من أمثالهم لتعرف لغنهم ورسوم فقهائهم ،
فإن كنا فى غير الأقاليم مثل هذه الأبواب تكلمنا بلغة الشام لأنها إقليمى الذى به
نشأت ... ألا ترى إلى بلاغتنا فى إقليم المشرق لأنهم أصحّ الناس عربية لأنهم
تكلفوها تكلفا وتعلموها تلقّفا ، ثم إلى ركاكة كلامنا فى مصر والمغرب وقبحه فى
ناحية البطائح لأنه لسان القوم» .
ومن كتابه
يتبين أن المقصود بهذا بالتأكيد ليس لغة الكلام التى لا يلتفت إليها الأدباء عادة
، إنما يعنى بالذات الاختلاف فى استعمال الألفاظ الكتابية بين المناطق المختلفة.
ومن الواضح أن
مثل هذا يصعّب كثيرا من لغة المقدسى وأسلوبه ، ولعل هذا من الأسباب التى حالت دون
ظهور ترجمة لكتابه إلى الآن ، شأنه فى هذا شأن بقية ممثلى المدرسة الكلاسيكية.
والترجمة
__________________