إلى آل سامان بينما قدم الثانية إلى الفاطميين. والمسودتان ننعكسان بوضوح تام فى المخطوطتين المعروفتين لدى الدوائر العلمية واللتين ترتكز عليهما الطبعة العلمية الموجودة بين أيدينا الآن (٧٤). وغير معروف عام وفاة المؤلف على وجه التحديد ولكن من الراجح أن المقدسى توفى فى أواخر القرن العاشر وذلك حوالى عام ٣٩٠ ه ـ ١٠٠٠.
وفى أحد فصول مقدمته الطويلة كما وأيضا فى استطرادات ذات طابع شخصى فى صلب الكتاب يحدثنا المقدسى عن منهجه فى التأليف. ولا نملك إلا الاعتراف بأنه قد أبدى فى هذا الصدد الكثير من التمحيص والتدقيق فى المنهج. قال : «اعلم أننى أسست هذا الكتاب على قواعد محكمة وأسندته بدعائم قوية وتحريت جهدى الصواب واستعنت بفهم أولى الألباب وسألت الله عز اسمه أن يجنبنى الخطأ والزلل ويبلغنى الرجاء والأمل فأعلى قواعده وأرصف بنيانه ما شاهدته وعقلته وعرفته وعلقته وعليه رفعت البنيان وعملت الدعائم والأركان ومن قواعده أيضا وأركانه وما استعنت به على تبيانه سؤال ذوى العقول من الناس ومن لم أعرفهم بالغفلة والالتباس عن الكور والأعمال فى الأطراف التى بعدت عنها ولم يتقدر لى الوصول إليها فما وقع عليه اتفاقهم أثبته وما اختلفوا فيه نبذته وما لم يكن له بدّ من الوصول إليه والوقوف عليه قصدته وما لم يقرّ فى قلبى ولم يقبله عقلى أسندته إلى الذى ذكره أو قلت زعموا ووشحته بفضول (١) وجدتها فى خزائن الملوك.
وكل من سبقنا إلى هذا العلم لم يسلك الطريق التى قصدتها ولا طلب الفوائد التى أردتها ... فهذا ما وقع إلينا من المصنفات فى هذا الباب بعد البحث والطلب وتقليب الخزائن والكتب وقد اجتهدنا فى أن لا نذكر شيئا قد سطروه ولا نشرح أمرا قد أو روده إلا عند الضرورة لئلا نبخس حقوقهم ولا نسرق من تصانيفهم مع أنه لا يعرف فضل كتابنا هذا إلا من نظر فى كتبهم أودوخ البلدان (٧٥) وكان من أهل العلم والفطنة. ثم إنى لا أبرئ نفسى من الزلل ولا كتابى من الخلل ولا أسلمه من الزيادة والنقصان ولا أفلته من الطعن على كل حال» (٧٦).
يتضح جليا من هذا القول أن المقدسى يقف موقف الناقد بل والمتعسف أحيانا من السابقين له فى هذا المضمار ؛ وهو يوكد أكثر من مرة فضل كتابه على كتب الآخرين دون أن يبذل جهدا فى إخفاء فخره واعتداده به. وفى استطراد له فى وسط الكتاب ، وذلك فى الفصل المفرد للمغرب ، كتب يقول : «فإن قال قائل إنك تركت كثيرا من العجائب فى هذا الإقليم لم تذكرها قيل له إنما تركنا ما ذكره من قبلنا فى تصانيفهم ومن مفاخر كتابنا الإعراض عما ذكره غيرنا وأوحش شىء فى كتبهم ضد ما ذكرنا ألا ترى أنك إذا نظرت إلى كتاب الجيهانى وجدته قد احتوى على جميع أصل ابن خرداذبه وبناه عليه وإذا نظرت فى كتاب ابن الفقيه فكأنما أنت ناظر فى كتاب الجاحظ والزيج الأعظم وإذا نظرت فى كتابنا
__________________
(*) بفضل كراتشكوفسكى قرامتها فصول ، وهكذا يترجمها. (المترجم)