للقرن الثامن بياتوس Beatus (٥٨). ويلاحظ أن الخارطات العربية خلو من صور الناس والحيوانات التى كانت تحفل بها الخارطات الأوروبية التى وضعت فى العصور الوسطى ، ولكن فى مقابل هذا بدا واضحا فى «أطلس الإسلام» بوجه خاص ، وفى خارطة العالم المستديرة بالذات ، الجنوح إلى تصوير السواحل والأنهار تصويرا هندسيا ؛ ففى بعض خارطات الإصطخرى مثلا يصور البحر الأبيض المتوسط فى شكل كروى أو إهليلجى تقريبا (٥٩). وخارطة العالم المشار إليها قد نالت انتشارا واسعا فى الأدب الجغرافى المتأخر ويمكن التعرف عليها دون صعوبة تذكر خلال جميع الرسوم التى نقلها القزوينى وابن الوردى فى القرنين الثالث عشر والخامس عشر وكذلك فى خارطات الإدريسى المستديرة التى تنتمى إلى مدرسة أخرى ؛ بل وربما تعتمد عليها أيضا الخارطة المستديرة الطريفة لمخطوطة كتاب محمود الكاشغرى الموجودة باستنبول ، وهو مؤلف من رجالات النصف الثانى للقرن الثانى عشر (٦٠)
وهناك احتمال كبير فى أن يكون العرب قد عرفوا فى العصر الذى وضع فيه «أطلس الإسلام» خارطات من أصل آخر لا ترتبط به ويتردد ذكرها حينا بعد حين فى مصادر مختلفة. فالمقدسى الذى سيرد الكلام عليه بعد قليل يذكر عرضا أنه أبصر فى بعض مكتبات الأمراء والأفراد (٦١) ما لا يقل عن أربع خارطات. ومن العسير الحكم من هذه الملاحظات المتناثرة على أصل هذه الخارطات وصفتها وتأثيرها على الخارطات التالية ، أما غيما يتعلق «بأطلس الإسلام» فإنه توجد لدينا مادة وفيرة ، وبالرغم من أن تفاصيل كثيرة قد بقيت خافية علينا إلا أننا نستطيع بكل اطمئنان أن نعده الخطوة الثانية والأهم فى تاريخ الكارتوغرافيا العربية. أما الخطوة الثالثة والأخيرة فتمثلها خارطات الإدريسى المشهور.
وكما هو الشأن مع الخارطات فإنه يحيط بمتن مصنفات المدرسة الكلاسيكية عدد من المشاكل المعلقة ؛ والأمر الذى لا يتطرق إليه الشك هو أن توزيع المادة الجغرافية فيها يعتمد اعتمادا تاما على الخارطات ويخضع بصفة عامة لمنهج صارم محدد ؛ فيبدأ وصف كل منطقة بالكلام على المدن والأنهار فالجبال فالسكان ، ويعقب ذلك وصف طرق المواصلات. ومثل هذا الترتيب ملائم للغاية لأنه يفسح المجال لضم أية كمية من المادة الجديدة المأخوذه عن الرحالين وعن الوثائق الرسمية أو التى تجمعت بنتيجة لنمو المادة التاريخية أو الموجودة فى مظان أخرى. ولعل فيما زاده ابن حوقل على الأقسام المتعلقة بأفريقيا وأسبانيا ما ينهض مثلا حيا لهذا (٦٢).
وآخر الممثلين الكبار للمدرسة الكلاسيكية هو المقدّسى الذى يعتبره اشبرنجر «أكبر جغرافى عرفته البشرية قاطبة» (٦٣). وإذا شاب هذا الرأى بعض المبالغة من جانب عالم كان من أوائل من بحثوا فى هذا الموضوع ، وهو الذى اكتشف أول مخطوطة لمصنف المقدسى ، إلا أنه يمكن أن نسلم دون تحفظ برأى العالم المعاصر كرامرس Kramers الذى يرى فى المؤلف أكثر الجغرافيين العرب إصالة وفى المصنف نفسه واحدا من أكثر المصنفات الجغرافية فى الأدب العربى قيمة (٦٤). وفى تحليله للكتاب يستدرك اشبرنجر