الذى خرج فيه الغرب بعدد أقل من الخارطات تنتظم مساحات جغرافية أكثر اتساعا من رصيفتها الإيرانية. والغرض الأساسى من الأطلس هو تصوير «العالم الإسلامى» بالذات وذلك وفقا لمفهوم هذا اللفظ عند الإصطخرى وابن حوقل كما اتضح من الشذرة التى أوردناها منذ قليل (٤٩).
ولا يزال الغموض يكتنف الظروف التى أحاطت بظهور «أطلس الإسلام» ، ويميل اشبرنحرSprenger (٥٠) ونالينوNallimo (٥١) ، وذلك استنادا إلى إشارة مبهمة وردت بكتاب «الفهرست» (٥٢) ، إلى الاعتقاد بأن أبا زيد البلخى قد اعتمد فى الأصل على الخارطات التى وصفها الفلكى أبو جعفر الخازن. غير أن هذا الفرض لا يكاد ينهض على أساس ، فالخازن قد توفى على ما يبدو بعد عام ٣٥٠ ه ـ ٩٦١ (٥٣) أبى أنه كان أصغر سنا من البلخى بكثير ، أضف إلى هذا أنه لا توجد أية علاقة بين الخارطات نفسها وبين الجغرافيا الفلكية ، تماما كما هو الشأن مع متنى الإصطخرى (٥٤) وابن حوقل (٥٥) ؛ هذا إلى جانب خلوها من أى أثر للتقسيم إلى سبعة أقاليم المأخوذ عن جغرافيى المدرسة الرياضية ، بل إن لفظ «إقليم» نفسه يستعمل فى هذا الصدد للدلالة على المنطقة الجغرافية (Region) التى تصورها الخارطة. وجميع خارطات هذه المجموعة مستقلة كل واحدة عن الأخروات ولا يمكن وصلها ببعضها البعض لتكوين خارطة عامة ، كما وأنه لا يوجد فيها أى أثر لخطوط الطول والعرض. ومما يوكد مرة أخرى انعدام الصلة بينها وبين الجغرافيا الفلكية هو أنه لا علاقة لها البتة بخارطات الخوارزمى ؛ وربما كانت الفكرة الأساسية التى قامت عليها هى تصوير طرق المواصلات.
ويسوقنا نظام توزيع هذه الخارطات إلى الافتراض بأنها ترجع فى أصلها إلى «أطلس إيران» القديم ولكن جرت فيه يد التعديل بصورة طفيفة ليتفق مع حاضر العالم الإسلامى آنذاك ، ثم أضيفت خارطة العالم والبحرين إلى خارطات المقاطعات الإيرانية الأصلية ؛ وربما ارتبطت خارطة العالم هذه بالخارطة «المأمونية» التى سبق الكلام عليها. أما بقية الخارطات فهى تمثل إما خارطات المقاطعات القديمة للدولة الساسانية وإما خارطات لمقاطعات كانت تخضع حينا من الدهر لتلك الدولة على نحو ما ، مثل بلاد العرب وأرمينيا وسواحل بحر قزوين وما وراء النهر وربما السند أيضا. أما الشام وفلسطين فقد كانتا بالطبع من أراضى الدولة الرومانية الشرقية ولكن نظرا لأنهما كانتا تمثلان معبرا أساسيا للمواصلات يربط إيران بالغرب وبالبحر الأبيض المتوسط فقد نالتا أهمية خاصة بالنسبة للساسانيين. من هذا يتضح أن الأطلس قد وضع فى الأصل من أجل الإمبراطورية الساسانية القديمة ولم تمسه يد التعديل والتحوير إلا قليلا ليتفق مع حاجة المسلمين فى القرن العاشر (٥٦). وقد لوحظ أن تقسيم الأقطار المختلفة إلى مقاطعات يتفق مع الطريقة التى اتبعها البلاذرى عند الكلام على فتوحها (٥٧).
أما الخارطات نفسها فيمكن القول على وجه العموم بأنها تدل على معرفة بالحقائق الجغرافية أدق مما كان عليه الحال فى أوروبا لذلك العهد ، الأمر الذى يمكن الحكم عليه من خارطة الراهب الإسبانى