من بعض النواحى اعتبارها أيضا توضيحا فحسب لمجموعة الخارطات. ومن المعلوم أن خارطات هذه الحلقة تسير جميعها على نمط واحد وتتشابه تمام التشابه لأنها فى الواقع ليست سوى مجموعة معدلة لخارطات «أطلس الإسلام» ، أما المصنفات الجغرافية العربية من عمل العصور التالية لذلك فإنها باستثناء الإدريسى لا تضم سوى خارطات منفردة مستقلة عن بعضها البعض. وهذا بالطبع لا يعنى أن الخارطات المنفردة لم تعرف فى هذا العصر أيضا ، بل إنها فى الواقع كانت معروفة للعرب قبل ذلك. وقد مر بنا الكلام على خارطة الديلم التى عملت للحجاج بن يوسف الثقفى ، كما توجد أيضا معلومات مبهمة عن خارطة البطيحة ، وهى منطقة المستنقعات قرب البصرة ، رفعت وفقا لرواية البلاذرى (٤٤) إلى الخليفة المنصور فيما يتعلق بتقسيم الأراضى (٤٥). ويذكر صاحب «الفهرست» (٤٦) أن الفلكى المشهور ثابت بن قرة (توفى عام ٢٨٨ ه ـ ٩٠١) نسب لنفسه رسما للأرض («صفة الدنيا») من صنع حرانى آخر ، وقد أبصر مؤلفنا هذا الرسم بعينى رأسه على نسيج دبيقى (١) خام قد لوّن بألوان ثبتت بالشمع. وهناك رواية مماثلة لهذه مؤداها أنه لما نهبت خزينة الخليفة الفاطمى المستنصر (٤٢٧ ه ـ ٤٨٧ ه ـ ١٠٣٦ ـ ١٠٩٤) وجدت خارطة كانت قد طرزت على نسيج تسترى (٢) فى عام ٣٥٣ ه ـ ٩٦٤ للمعز لدين الله الفاطمى وبيّن عليها مختلف البلدان والجبال والبحار والأنهار والمدن والطرق وطرزت أسماؤها بالذهب والفضة والحرير وكانت تقدر على ما يقال باثنين وعشرين ألف دينار (٤٧). ومن العسير بالطبع التكهن بما كانت عليه هذه الخارطات وما هو نوعها ، غير أنه ليس بمستبعد أن تكون من صنع أيد محلية. وعلى النقيض من هذا فإنه يقترن بالتراث العلمى التأليفى خارطات معروفة لنا فى نماذج محدودة وذلك فى الترجمة المصلحة لبطلميوس التى عملها محمد الخوارزمى ، وهى التى عالجنا الكلام عليها بالتفصيل فى حينه ؛ وقد افترض العلماء بالطبع أن خارطاته تسير إلى حدما وفقا لمنهج بطلميوس الذى لا بمثله فى الوسط العربى المتأخر سوى الإدريسى.
وخارطات المدرسة الكلاسيكية لا علاقة لها البتة بهذه النماذج البطلميوسية إذ هى تمثل «أطلس الإسلام» الذى يعتبر نسيج وحده والذى يحوى دائما وفى نظام لا يتغير إحدى وعشرين خارطة تتتابع بالصورة الآتية : أولاهن «خارطة العالم المستديرة» ، تليها خارطات جزيرة العرب وبحر فارس والمغرب ومصر والشام وبحر الروم ، ثم أربع عشرة خارطة تمثل الأجزاء الوسطى والشرقية للعالم الإسلامى (الجزيرة والعراق وخوزستان وفارس وكرمان والسند وأرمينيا ومعها ارّان وآذربيجان أيضا والجبال وكيلان ومعها طبرستان وبحر الخزر وصحراء فارس وسجستان وخراسان وما وراء النهر) (٤٨). ومما يوكد صحة الرأى القائل بأن هذا الأطلس إيرانى الأصل أن كل مقاطعة إيرانية تظفر فيه بخارطة مستقلة ، فى الوقت
__________________
(*) دبيق بلد بمصر بين الفرما وتنيس خربت الآن ، وكانت تشتهر بصناعة الثياب. (المترجم)
(**) تستر أو شتر بلد بإيران. (المترجم)