فليس غريبا أن يكتسب كتاب ابن حوقل فى المغرب صيتا أوسع مما اكتسبه فى المشرق ، خاصة فى الأندلس. ويبدو أنه لم تنقل إلى الفارسية سوى مسودة الإصطخرى وحده (٣٥) ، ولكن فى مقابل هذا فقد عرف منذ منتصف القرن الثانى عشر مختصر ابن حوقل المعمول فى الأندلس والذى يوجد فى مخطوطة بباريس ويحوى إضافات كثيرة ترجع إلى عهد الشخص الذى اختصره وذلك فى الفترة بين عامى ٥٣٤ ه ـ ١١٣٩ و ٥٨٠ ه ـ ١١٨٤ (٣٦). وقد أضيفت إلى الأطلس المرفق بهذا المختصر خارطة للنيل مأخوذة من خارطة كتاب الخوارزمى (٣٧) مع زيادة مناسبة فى المتن. وفى القرن الثالث عشر هاجم المؤرخ والجغرافى الأندلسى المشهور ابن سعيد (توفى عام ٦٨٥ ه ـ ١٢٦٨ أو ٦٧٣ ه ـ ١٢٧٤) آراء ابن حوقل فى أخلاق عرب الأندلس مهاجمة عنيفة (٣٨) ، ولعل هذا ما حفزه إلى أن يكمل كتاب ابن حوقل فيما يتعلق بالأبواب الثلاثة التى أفردها للأندلس وصقلية وأسبانيا الغربية (٣٩).
ويقدم ابن حوقل مثالا حيا لمحاولة المدرسة الكلاسيكية فى الجغرافيا أن تقصر موضوعها على «دار الإسلام» ، وهو يبين ذلك فى قوله :
«ومملكة الإسلام فى حيننا هذا ووقتنا فإن طولها من حد فرغانة حتى يقطع خراسان والجبال والعراق وديار العرب إلى سواحل اليمن فهو نحو خمسة أشهر (٤٠) وعرضها من بلد الروم حتى يقطع الشام والجزيرة والعراق وفارس وكرمان إلى أرض المنصورة على شط بحر فارس نحو أربعة أشهر وإنما تركت فى ذكر طول الإسلام حد المغرب إلى الأندلس لأنه كالكم فى الثوب وليس فى شرقى المغرب ولا فى غربيه إسلام لأنك إذا جاوزت مصر فى أرض المغرب كان جنوبى المغرب بلاد السودان وشماله بحر الروم ثم أرض الروم ، ولو صلح أن يجعل طول الإسلام من فرغانة إلى أرض المغرب والأندلس لكان مسيرة ثلثمائة مرحلة» (٤١).
إن محاولة قصر المادة على «بلاد الإسلام» (٤٢) مع إهمال الأقطار الواقعة خارجها تعتبر من أبرز مميزات المدرسة الكلاسيكية للجغرافيا العربية ؛ وبالطبع فقد حاول الكتاب المعروفون لنا جيدا من أمثال ابن خرداذبه واليعقوبى وابن الفقيه وابن رسته ثم المسعودى إعطاء وصف منتظم لتخطيط العالم الإسلامى ونظامه الإدارى مع الاهتمام خاصة بوصف طرق المواصلات إلا أنه لم يكن من منهجهم الاقتصار على البلاد الإسلامية وحدها بل تكلموا عن البلدان غير الإسلامية كذلك ابنداء من الشرق الأقصى إلى الإمبراطورية البيزنطية ؛ كما وأنهم أولوا نفس القدر من الاهتمام لقصص العجائب بجميع أنواعها (٤٣). أما المدرسة الكلاسيكية وإن كانت أكثر تشددا فى أسلوبها وأكثر تمسكا بالمنهج العلمى إلا أنها فى مقابل ذلك كانت أميل إلى تضييق أفقها الجغرافى بعض الشىء.
والطابع الثانى الأكثر تمييزا لهذه المدرسة هو الدور الذى لعبته فيها الخارطات. وقد سبق أن نوهنا فى حينه وذلك بصدد الكلام على أول رسالة فى هذه السلسلة وهى مصنف أبى زيد البلخى أنه يمكن