هذا الحادث بحملة هارالد إيركسون Haralde Eriksson ملك النرويج (٢٤). وإذا تركنا جانبا نقاط التشابه العديدة فإنه يجب الاعتراف بأن ابن حوقل هو الخبير الأول من بين جغرافيى هذه المدرسة فى شئون المغرب (٢٥) ؛ ويتضح هذا بصورة أقوى من خلال المخطوطة التى نشرها كرامرس وذلك لدى المقارنة بطبعة دى خويه ، ففيها يرد وصف مفصل لمنطقة البجه وتاريخهم ولإرترياEritrea (٢٦) مع ذكر أسماء ما لا يقل عن مائتين من قبائل البربر ؛ ويصف الواحات ثم يورد وصفا مفصلا للغاية لموقع صقلية (٢٧). وروايته عنها تمثل أهمية خاصة كما أثبت ذلك منذ منتصف القرن الماضى المستشرق أمارى Amari (٢٨) أكبر خبير بهذه البلاد والذى قدم لنا تحليلا دقيقا لهذه المادة (٢٩). وكثيرا ما انعكست المصالح التجارية لابن حوقل فى تضاعيف كتابه ؛ وتقدم المادة التى جمعها لوحة طريفة لحضارة العالم الإسلامى فى ذلك العهد. فهو قد التقى مثلا فى سجلماسة بجنوبى مراكش بتجار عراقيين من أهل البصرة والكوفة المقيمين هناك ، ويمكن الحكم على مدى اتساع معاملاتهم التجارية من أنه قد أبصر صكابدين على أحد سكان واحة أو دغشت بداخل أفريقيا قيمته اثنان وأربعون ألف دينار (٣٠).
وتبرز الميول السياسية لابن حوقل من وقت لآخر جلية للعيان ، ومن الطريف فى هذا الشأن موقفه من أمويى الأندلس فهو يقدم لنا فى مصنفه صورة من أدق الصور للأندلس فى العصر الأموى. ويرى دوزى Dozy فى ابن حوقل جاسوسا للفلطميين بلا ريب (٣١) ؛ غير أن ليفى بروفنسال Levi ـ Provencal وهو أحد كبار الخبراء المعاصرين عن أسبانيا الإسلامية لا يرى فيه هذا الرأى القاطع إنما هو فى رأيه على أية حال من عملاء العباسيين أو الفاطميين. والأسباب التى دفعت إلى هذه التهمة تبدو من طيات كتابه إذ يمكن إبصار عواطفه الفاطمية فى أنه كان من أوائل من قدموا معلومات وفيرة عن قرامطة البحرين الذين عرفهم فيما يبدو جيدا وعن كتب (٣٢). وفوق ذلك فإن ابن حوقل قد عاش طويلا بقرطبة فى عهد عبد الرحمن الثالث أى عهد ازدهار خلافة الأمويين بالأندلس ؛ وهو يورد معلومات وافية عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالأندلس ويبين المحاصيل المصدرة إلى المغرب وإلى مصر. وله معرفة جيدة بتجارة الرقيق الأوروبى التى كان يقوم بها تجار منقطعون لها ، لا فى الأندلس وحدها بل فى جميع بلاد شرقى البحر الأبيض المتوسط. ويقدم ابن حوقل صورة سلبية عن شجاعة أهل الأندلس وعن نظامهم الحربى والإدارى مبديا دهشته لعجزه عن إدراك السر فى احتفاظهم باستقلالهم حتى ذلك الوقت دون أن يخضعوا لحاكم من حكام المشرق الإسلامى ؛ ويمكن أن يؤخذ قوله بأنه يرى ذلك أمرا سهلا بمثابة إيعاز للفاطميين أو العباسيين بالتدخل (٣٣). غير أن ابن حوقل على أية حال لا ينفى الجانب الإيجابى للحضارة الأندلسية فهو يعترف بأن الخزانة العامة كانت عامرة بصورة لا يمكن مقارنتها فى المشرق إلا بالحمدانيين فى حلب ، أما عاصمتهم الزاهية فيدعوها ببغداد الثانية ويصف بالتفصيل جمال مدينة الزهراء ورونق حى الرصافة (٣٤).