مفازة خراسان وفارس على حدودها وذكرت إليها صورة الجيل والديلم وطبرستان وما يليها من بحر الخزر وبعض سبله إذ لم أحط علما بكليته وأتبعتها بصورة بحيرة طبرستان وجزيرتها ومصب ما إليها من المياه وما يصاقبها من الجبال وكمية ما للإسلام منها وحدودها ما لغيره من أقطارها وشكلت المفازة التى بين فارس وخراسان وجميع ما فيها من الطرق إلى النواحى المجاورة لها والمضافة إلى حدودها وما يليها من أعمال سجستان على ما يجاورها من بلاد الغور وجبالها ومصب مياهها إلى بحيرة زره وصورت خراسان وما فى ضمنها من طخارستان وجبال الباميان وطوس وقوهستان بجميع مياهها الجارية وجبالها المشهورة ورمالها وطرقها المعروفة ، ثم صورت نهر جيجون وما وراءه من أعمال بخارى وسمرقند وأشروسنه واسبيجاب والشاش وخوارزم إلى جميع ما يشتمل عليه من المياه ويحيط به من الطرق والمسالك.
فهذه جميع الأرض عامرها وغامرها وهى مقسومة على الممالك وعماد ممالك الأرض أربع فأعمرها وأكثرها خيرا وأحسنها استقامة فى السياسة وتقديم العمارات ووفور الجبايات مملكة إيران شهر وقطبها إقليم بابل وهى مملكة فارس ؛ وكان حد هذه المملكة فى أيام العجم معلوما فلما جاء الإسلام أخذت من كل مملكة بنصيب فأخذت من مملكة الروم الشام ومصر والمغرب والأندلس وأخذت من مملكة الصين ما وراء النهر وانضمت إليها هذه الممالك العظيمة ، ومملكة الروم يدخل فيها حدود الصقالبة ومن جاورهم من الروس والسرير واللان والأرمن ومن دان بالنصرانية ومملكة الصين يدخل فيها سائر بلدان الأتراك وبعض التّبّت ومن دان بدين أهل الأوثان منهم ومملكة الهند يدخل فيها السند وقشمير وطرف من التبت ومن دان بدينهم ، ولم أذكر بلدان السودان فى المغرب والبجه والزنج ومن أعراضهم من الأمم لأن انتظام الممالك بالديانات والآداب والحكم وتقويم العمارات بالسياسة المستقيمة وهؤلاء مهملون فى هذه الخصال ولاحظ لهم فى شىء من ذلك فيستحقون به إفراد ممالكهم بما ذكرت به سائر الممالك ، غير أن بعض السودان المقاربين هذه الممالك المعروفة يرجعون إلى ديانة ورياضة وحكم ويقاربون أهل هذه الممالك كالنوبة والحبشة فإنهم نصارى يرتسمون مذاهب الروم وقد كانوا قبل الإسلام يتصلون بمملكة الروم على المجاورة لأن أرض النوبة مصاقبة أرض مصر والحبشة على بحر القلزم وبينهما وبين أرض مصر مفاوز معمورة فيها معادن الذهب ويتصلون بمصر والشام من طريق بحر القلزم ، فهذه الممالك المعروفة ولمّا زادت مملكة الإسلام بما اجتمع إليها من طرائف هذه الممالك المذكورة شرفت وعظمت» (٢١).
من هذا يتضح أن ابن حوقل ، شأنه فى هذا شأن بقية ممثلى المدرسة الكلاسيكية ، قد حصر اهتمامه على وجه التقريب فى وصف «دار الإسلام» خاصة إيران ؛ ولكنه كان يتجاوز فى حالات معينة بالطبع نطاق العالم الإسلامى ، فمثلا لا يخلو من بعض القيمة روايته عن هزيمة الروس للبلغار والخزر (٢٢) حوالى عام ٣٥٨ ه ـ ٩٦٩ حين كان المؤلف نفسه آنذاك بجرجان. وهذا الحادث يتفق مع حملة اسفياتوسلاف Sviatoslav أمير كييف Kiev على الخزر عام ٩٦٥ (٢٣) ؛ وقد ظهر فى الآونة الأخيرة رأى يقرن