اسم أحمد هذا لا وجود له فى رواية الحميرى ، ومن ثم فإنه يجب أن يؤخذ ذلك بوصفه سهوا إمّا من القزوينى نفسه أو من أحد النساخ. وبهذا يزول اللبس والغموض الذى أحاط بتحديد شخصية المؤلف. ومما يدعم هذا أن المخطوطة المراكشية الجديدة للبكرى التى تنقصها رواية ابراهيم عن الصقالبة قد وردت بها فى مقابل ذلك عدة مقتطفات فى وصف الأندلس غير موجودة بالمخطوطات الأخرى ويظهر فيها اسم إبراهيم بن يعقوب بصفته حجة ثقة فى مسائل أسبانيا النصرانية ، كما ترد فيها أيضا إشارة عابرة إلى محادثة له مع «قيصر الروم» (٦٦). ولا شك أن المقصود بهذا هو الإمبراطور أوتو الذى وردت الإشارة إليه فى القطعة المعروفة لنا عن الصقالبة (٦٧).
بذا يمكن القول بأنه قد ثبت بصفة قاطعة أنه قد عاش فى القرن العاشر رحالة عالم من الأندلس يدعى إبراهيم بن يعقوب اليهودى الطرطوشى نسبة إلى طرطوشةTortosa بالأندلس ؛ وهو لم يكن تاجرا فحسب كما كان يظن عنه إلى الآن ، بل كان من المحبين لاقتناء الكتب وخبيرا ماهرا بأنحاء أسبانيا وفرنسا وألمانيا وبلاد الصقالبة الغربيين (٦٨) كما كان شخصا مثقفا دقيق الملاحظة يستطيع قراءة النقود الكوفية ويعرف عن نصر بن أحمد السامانى وسمرقند النائية والتوابل التى تجلب من الهند (٦٩). أما وصف رحلته فلم يبق منه سوى شذرات عرفت منها الأقسام الخاصة بألمانيا والصقالبة وهى التى حفظها لنا العذرى والبكرى والقزوينى ، وانتقلت منهم إلى مؤلفين متأخرين مثل ابن سعيد الغرناطى وأبى الفداء والدمشقى وإلى الكاتبين التركيين سپاهى زاده والباكوى. ويبدو أن وصفه للأندلس الذى أماطت عنه اللثام المخطوطة المراكشية للبكرى ووجد أيضا لدى القزوينى والحميرى كان واسع الانتشار ؛ ومن الممكن أيضا أن ترجع إليه شذور عديدة فى نفس تلك الموضوعات عند المؤلفين الذين ذكرناهم ولكن لا توجد إشارة إلى مصدرها.
ومن الخطل الاعتقاد بأن رحلات العرب فى القرن العاشر قد اقتصرت على الشرق والشمال ؛ وسيرد الحديث عن الرحلات إلى الغرب فى الفصل القادم عند الكلام على ابن حوقل. وهناك احتمال بأن يكون الجنوب قد اجتذب أيضا بعض الاهتمام ولكن لم يصل إلينا عن ذلك إلا النزر اليسير ؛ وتمثل أهمية جوهرية فى هذا الصدد رحلة ابن سليم الأسوانى (٧٠) إلى بلاد النوبة حوالى عام ٣٦٥ ه ـ ٩٧٥ ؛ وكان قد بعث به القائد الفاطمى جوهر الصقلى إلى ملك النوبة فى مهمة دبلوماسية ووضع كتابا بعنوان «كتاب أخبار النوبة والمقرّة وعلوه والبجه والنيل». وفيه وصف دقيق لكل النواحى التى رآها ولسكانها وقد حفظت لنا شذرات منه لدى المقريزى (٧١) وابن إياس (٧٢) ؛ ويمتاز وصفه للنيل بالكثير من الدقة على الرغم من أنه يخضع أحيانا لتأثير الرواية المنقولة التى تستتر وراء الملاحظة المباشرة. ويوشك هذا الوصف أن يكون هو الوصف الوحيد فى الأدب العربى للعصور الوسطى الذى يبين لنا المدى الذى وصلت إليه معرفة العرب بالمجرى الأعلى للنيل ، ولم يكن لروايته أى تأثير على المصنفات الجغرافية التالية فوصف الإدريسى