مثلا لمجرى النيل الأعلى يدل دلالة واضحة على مدى النقص الذى كان يعانيه ذلك المؤلف فى المصادر الموجودة تحت يده والتى لم تكن إلى جانب هذا واضحة له على الدوام (٧٣).
ومن الثابت أن ابن سليم الأسوانى لم يكن المثال الفريد للكاتب المغمور الذى أسدل عليه النسيان ستاره فى الأدب الجغرافى للقرن العاشر ، فإلى جانب كبار المؤلفين المعروفين لدينا جيدا والذين مر الكلام عليهم أو سيمر ، يوجد عدد غير قليل من الكتاب المجهولين الذين لم يعرف المسلمون عنهم لسبب ما سوى القليل ؛ وفوق ذلك فإن هناك ثلة لم تصل إلينا مؤلفاتهم أو أنها لا تزال فى طى المجهول. وعلى أية حال فإنه رغم افتقارنا إلى المادة فى صورتها التامة فيمكننا أن نقرر بكل اطمئنان أن القرن العاشر هو عصر الازدهار الخلاق للأدب الجغرافى العربى. وإنه لمما يسترعى النظر حقا ليس هو العدد الكبير من الكتاب المبرزين فحسب بل هو ظهور حركة جديدة يمكن أن يطلق عليها بجدارة اسم «المدرسة الكلاسيكية للجغرافيا العربية» ، وقد استمرت هذه الحركة لمدة نصف قرن من الزمان تخرج مجموعة من المصنفات يسودها طابع الوحدة والانسجام.