إلى أبى دلف الينبعى الخزرجى. ورغما عن وجود بعض المعلومات عن المؤلف إلا أن الرحلة نفسها كانت هدفا للريبة والشكوك. وكما أن المؤلف قد عرف بكنيته فقد عرف أيضا باسمه مسعر بن المهلهل ، وهى أسماء واسعة الانتشار فى وسط الجزيرة العربية منذ أقدم العصور إلى أيامنا هذه وتشير إلى أصله العربى الصريح ؛ أما نسبة «الينبعى» و «الخزرجى» فتؤكد علاقته بميناء ينبع على البحر الأحمر وقبيلة الخزرج بالمدينة ؛ ويبدو أنه أحد الأدباء العديدين الذين مكنتهم وحدة الحضارة الإسلامية فى ذلك العصر من القيام برحلات عريضة. ويظهر أن الأقدار قد بعثت به كشاعر مدّاح متجول إلى بلاط نصر الثانى ابن أحمد السامانى (٣٠١ ه ـ ٣٣١ ه ـ ٩١٤ ـ ٩٤٣) ، وهو نفس الحاكم الذى سافر ابن فضلان فى عهده إلى البلغار. وفى أواخر أيام حكمه وصلت إلى بخارى سفارة من الصين حوالى عام ٣٣١ ه ـ ٩٤٢ فاغتنم أبو دلف الفرصة وصحبها فى طريق العودة فعبر تركستان الغربية وتركستان الشرقيةSinkiang والتبت ودخل الصين عن طريق غير معروف (٤٠) ، ثم غادرها إلى الهند ومن هناك رجع إلى بلاد الإسلام عن طريق سجستان. ونلتقى به عقب ذلك فى بلاط الوزير البويهى الأديب المشهور الصاحب اسماعيل بن عباد (توفى عام ٣٨٥ ه ـ ٩٥٥) ، وهناك وضع «القصبدة الساسانية» الغربية. وهى فى لغة ومكائد الشطار والصعاليك الذين اتخذوا لأنفسهم فى ذلك العصر اسم «الساسانيين» الرفيع (١). وفى نفس تلك الأعوام وضع رسالته الثانية فى وصف مشاهد أذربيجان وأرمينيا وإيران مما سيأتى الكلام عنه فى موضعه. وربما كان الصاحب بن عباد هو الذى شجعه على وضعها ، إلا أن أبا دلف أهدى النسخة الأولى منها إلى أولئك الذين سبقت أيديهم عليه من قبل فى ما وراء النهر والذين لم يقطع صلاته بهم فيما يبدو ، أعنى السامانيين.
ولم يكن وصف رحلة أبى دلف معروفا معرفة مباشرة حتى الآونة الأخيرة. وإحدى الخدمات العديدة التى طوق بها ياقوت أعناق العلماء هى حفظه لشذرات كبيرة منه ، كما تقل منه أيضا معاصره الأصغر الكوزموغرافى القزوينى الذى يفتقر إلى الدقة كما هو ديدنه دائما. وفى وقت واحد انصرف إلى دراسة الرسالة كل من قستنفلد (١٨٤٢) وشلوزرSchlo؟zer (١٨٤٤). وقام الأخير بطبعها وترجمتها إلى الألمانية ، مما أعتبر مجهودا محمودا بالنسبة لذلك العصر ؛ وشارك فى ذلك المستشرق فرين مشاركة فعالة. هذا ويرجع أول بحث جدى عن أبى دلف إلى العلامة الروسى غريغوريف V.V.Grigoriev (١٨٧٢) ، كما يعتبر البحث الذى قام به المستشرق روزن (٤١) ، وهو لمّا يزل طالبا بعد ، خطوة إلى الأمام فى دراسة الموضوع. غير أن النتائج التى خرج بها غريغوريف لا تبعث على الاطمئنان ، فهو يجد عند أبى دلف «خلطا لا مثيل له فى العرض» (٤٢) ويعتقد أن «القصة لا تقوم على أساس من
__________________
(*) عن استعمال تلك الفئة لاسم «ساسان» الرفيع راجع مقال كرامرس Kramers فى دائرة المعارف الإسلامية واستدرك عليه بتعليق الإمام الشيخ محمد عبده فى شرحه لمقامات الهمذانى (المقامة الساسانية). (المترجم)