وقد تم إعداد هذه السفارة كطلب بلغار الفولجا الذين أرسلوا رسولا إلى عاصمة الخلافة يرجون العون ضد ضغط الخزر عليهم من الجنوب وأن ينفذ إليهم من يفقههم فى الدين ويعرفهم بشعائر الإسلام الذى اعتنقوه منذ عهد غير طويل ، وقد أرسلت إليهم سفارة تحت رئاسة سوسن الرسى كان من أفرادها أحمد بن فضلان كفقيه ذى خبرة ؛ وعلى الرغم من عدم وجود أية معلومات عنه إلا أنه يحاول دائما فى «الرسالة» أن ينسب إلى نفسه الدور الرئيسى. هذا وقد غادرت السفارة بغداد فى الحادى عشر من صفر عام ٣٠٩ ه ـ ٢١ يونيو ٩٢١ ووصلت إلى بلغار فى الثامن عشر من المحرم عام ٣١٠ ه ـ ١٢ مايو ٩٢٢ ؛ وقد مرت فى طريقها بهمدان والرى ونيسابور ومرو وبخارى ، حيث التقى ابن فضلان فى سبتمبر من عام ٩٢١ بوزير السامانيين والعالم الجغرافى الشهير الجيهانى (٣٧). ثم ساروا مع نهر جيجون إلى خوارزم عند بحر آرال وعبروا صحراء أوست أورت ثم نهر يايق فوصلوا إلى حوض الفولجا. أما تأريخ وخط سير الرجعة فليس معروفا لدينا إذ أن خاتمة «الرسالة» قد امتدت إليها يد الضياع.
ومن الطبيعى أن يكون علماء الشمال هم أول من سبق إلى لفت أنظار الدوائر العلمية فى أوروبا إلى ابن فضلان ؛ وقد حدث ذلك فى الدنمارك وروسيا. وظلت رحلته معروفة لمدة طويلة عن ياقوت وحده الذى حفظ لنا جزءا كبيرا منها فى معجمه الجغرافى ؛ ثم أفرد لها المستشرق الروسى فرين Fra؟hn بحثا رائعا كان أشبه ببراعة الاستهلال فى تاريخ الاستعراب الروسى واستمر ثمانين عاما تقريبا لا يبزه شىء بل وحفز إلى ظهور عدد من الأبحاث بأقلام ممثلى مختلف الاتجاهات العلمية ، احتل من بينها مكانة مرموقة أبحاث روزن وبارتولد. وقد أدى الكشف عن مخطوطة مشهد فى السنوات العشرينيات من هذا القرن إلى اتساع المادة عن ابن فضلان بشكل ملحوظ ، وإذا صرفنا النظر عن خاتمتها المفقودة فإن هذه المخطوطة الأخيرة تمكننا لأول مرة من الحكم على الرسالة فى صورتها الكاملة. ولم تلبث دراسة ابن فضلان أن دخلت فى طور جديد بفضل البحث الذى قام به كوفاليفسكى A.P.Kovalevski (١٩٣٩) (٣٨) ؛ ومن المستحيل بالطبع الجزم بأن جميع المسائل المتعلقة بمتن الرسالة قد حلت نهائيا ، بيد أن وجود مخطوطة مشهد سيمنع على أية حال من تكرار مثل تلك الأخطاء التى تسربت إلى مؤلفات هنغ Hennig الذى ينسب دائما إلى ابن فضلان روايات المؤلف الفارسى عوفى الذى عاش فى أوائل القرن الثالث عشر (١) (٣٩).
وعلى الرغم من ندرة المعلومات عن شخص ابن فضلان إلا أنه لم يقم هنالك أدنى ريب حول صحة نسبة الرسالة إليه. وإذا كان البعض قد أبدى ارتيابه من وقت لآخر بشأنها ، كما فعل عالم الآثار اسبتزن Spitzin ، فإن ذلك يمس فى العادة بعض التفاصيل ولا يثبت على محل النقد الدقيق. ويختلف الأمر بالنسبة لرحلة أخرى خرجت من عاصمة السامانيين بخارى متجهة صوب الشرق والجنوب وهى تنسب
__________________
(*) نشر أحد العلماء السوريين طبعة جديدة لرحلة ابن فضلان بدمشق عام ١٩٥٩ ؛ كما وأن كوفالفسكى أخرج بحثا جديدا حول موضوع الرسالة. (المترجم)