الأول طابعا أسطوريا كالذى فى «مختصر العجائب» ويصل إلى عام ٦٨٨ ه ـ ١٢٨٩ فى بعض مخطوطاته ، وقد يمتد أحيانا إلى عام ٩٢٣ ه ـ ١٥١٧ وما يليه. وهذا الكتاب تمثله مسودات مختلفة تحمل عناوين متباينة (٣٢) ، وتوجد ترجمة تركية معروفة لمختصره تحمل عنوان «جواهر البحور ووقائع الأمور» تمتد روايتها إلى القرن السادس عشر. وبتحليله لمخطوطة ليننغراد بيّن دورن أنه فيما يتعلق بمعالجته لتاريخ مصر القديمة فإنه يمثل أثرا من آثار «العصبية» القبطية (٣٣). ورغما عن التشابه فى الموضوعات فإن «مختصر العجائب» لا يمكن أن يكون من تأليف ابن وصيف شاه لأن التواريخ الموجودة فيه لا تتجاوز القرن العاشر ، ويصبح من المريب أن يقف ابن وصيف شاه عند هذا العصر إذا كان الكتاب قد خرج فعلا من يده (٣٤). والأرجح أنه يمثل مسودة لأحد مصادره فقط أو أنه يمثل مسودة أولية لكتاب جرت فيه يد ابن وصيف شاه بالتعديل. وقد عرف هذا المصنف مبكرا فى أوروبا وترجمه إلى الفرنسية فاتييه Vattier منذ عام ١٦٦٦ معتمدا على مخطوطة فقدت بالتالى ونسبه إلى شخص ثالث من نسج خياله (٣٥). وكل هذا يقف برهانا على ما أحاط بروايات هذا الكتاب ومسوداته المختلفة من اللبس والتعقيد. وتمثل الترجمة العلمية التى قام بها كارادى فو (١٨٩٨) أهمية بالغة سواء فى محيط التاريخ الأدبى أو الفولكورFolklore ؛ أما القول بأن «مختصر العجائب» من تأليف المسعودى فهو قول لا يستند على أساس من الواقع (٣٦).
ورحلات المسعودى كما رأينا تشمل ميدانا واسعا ووجدت انعكاسا كبيرا فى مؤلفاته ، ولكن رغما عن هذا فقد دخل اسمه فى التاريخ لاكرحالة بل ككاتب. وعلى العكس من هذا برز فى عصره عدد من الرحالين ممن زاروا الأصقاع القريبة من الاتحاد السوفيتى ونالوا شهرة واسعة بفضل أوصاف الرحلات التى خلفوها رغما من أن أحدهم تمتع ببعض الصيت كشاعر أيضا.
ويحتل ابن فضلان المكانة الأولى بينهم سواء من الناحية الزمنية أو الأهمية الذاتية وذلك بسبب رسالته المشهورة التى تجدد الاهتمام بها فى الأعوام الأخيرة بنفس الدرجة التى تمتعت بها لأول مرة منذ مائة وعشرين عاما. وهذا الأثر بلا شك جدير بهذا الاهتمام خاصة فى الآونة الحاضرة بعد أن أصبح لأول مرة فى متناول أيدى الجميع فى طبعة كاملة تقريبا.
وفيه نجد أثرا طريفا بالنسبة لعصره فهو يقدم لنا صورة حية للظروف السياسية فى العالم الإسلامى والعلاقات بين بلاد الإسلام والبلاد المتاخمة لها فى آسيا الوسطى أو الأصقاع النائية التى كانت تمثل أطراف العالم المتمدن آنذاك مثل حوض الفولجا. ونحفل الرسالة بمادة اثنوغرافية قيمة جدا ومتنوعة بصورة فريدة ، وهى تمس عددا من القبائل التركية البدوية القاطنة آسيا الوسطى وعددا من الشعوب التى كانت تلعب آنذاك دورا أساسيا فى تاريخ أوروبا الشرقية كالبلغار والروس والخزر. كما لا يمكن إنكار قيمتها الأدبية وأسلوبها القصصى السلس ولغتها الحبة المصورة التى لا تخلو بين آونة وأخرى من بعض الدّعابة التى ربما لم تكن مقصودة.