وترتبط باسم البتانى تصليحات لبعض آثار بطلميوس نخص منها كتابه «المقالات الأربع» (٥٩) ؛ غير أنه لم يصلنا من بين جميع مصنفات البتانى سوى الجداول الفلكية المعروفة باسم «الزيج الصابئ» وتحوى مقدمة وافية فى أكثر من ستين فصلا تعالج جميع مسائل الفلك ؛ وقد ذاع صيتها فى أوروبا بعد أن ترجمها إلى اللاتينية فى عام ١١٤٠ أفلاطون التيفولى Plato of Tivoli. ولقد أبصرنا من قبل سعة إدراك البتانى فى تقديره لمكانة بطلميوس فى تاريخ الفلك العربى ، وسنقتصر الآن على تلك المواضع من زيجه التى تتعلق بالجغرافيا فى معناها الضيق.
ويمثل أهمية خاصة فى هذا الصدد الفصل السادس من المقدمة الذى يعطى وصفا عاما للأرض ويخص بالتفصيل البحار. وكما لاحظ نالينو فإن مادة هذا الفصل بأجمعه ترتفع إلى بطلميوس فى روايته اليونانية السريانية التى جرت فيها يد التعديل بصورة جوهرية (٦٠). ويجب أن نلاحظ أن وصفه للبحار والجزر الموجودة بها قد أضحى بفضل ترجمة أفلاطون التيفولى معروفا لأوروبا منذ عهد مبكر وأن جميع التصورات التى انتشرت فى الغرب عن المحيط الهندى مثلا إلى عهد الكشوف الجغرافية الكبرى إنما ترجع إلى البتانى (٦١) ؛ ومن الملاحظ أن المادة الجغرافية فى أوروبا المعاصرة لا يمكن مقارنتها بأية حال مع مادة البتانى من حيث القيمة العلمية (٦٢). وقد اجتذب هذا الفصل أنظار العلماء الأوروبيين منذ أن كان الكتاب معروفا فى مخطوطته الوحيدة بالأسكوريال فترجمه رينو (٦٣) ومرن (٦٤) قبل ظهور الطبعة العلمية لنالينو ؛ وهو ذو أهمية خاصة بالنسبة للأدب الجغرافى العربى إذ يقدم لنا أتم وصف للعالم عرفته العصور السابقة مأخوذ عن جغرافيى المدرسة اليونانية. وقد أفاد منه ممثلو الجغرافيا الوصفية من معاصرى البتانى كما توجد شذرات منه لدى ابن رسته والمسعودى وقدامة والجيهانى مأخوذة عن مصادر أخرى ولكن تكرر المادة حرفيا بحيث لا يمكن إنكار أثر البتانى عليها. ونصه كالآتى :
«وأما مواضع الأرض المعلومة والبلدان المسكونة فى الطول والعرض فقد أوضحنا بالقياس الذى قد ذكره بطلميوس ووافقه عليه غيره من القدماء أن الأرض مستديرة وأن مركزها فى وسط الفلك والهواء محيط بها من كل الجهات وأنها عند فلك البروج مثل منزلة النقطة قلّة. وأما عمرانها فإنهم أخذوا حدوده من الجزائر العامرة التى تسمى الخالدات التى فى بحر أوقياس الغربى (٦٥) وهى ست جزائر عامرة إلى أقصى عمران الصين فوجدوا ذللث اثنتى عشرة ساعة فعلموا أن الشمس إذا غابت فى أقصى عمران الصين كان أول طلوعها على أول الجزائر العامرة المذكورة أنها فى بحر أوقيانس الغربى وإذا غابت فى هذه الجزائر صار أول طلوعها على أقصى عمران الصين وذلك نصف دائرة الأرض وهو طول العمران الذى وقف عليه ومقداره من الأميال ثلثة عشر ألفا وخمسمائة ميل من الأميال التى عملوا عليها فى مساحة الأرض ثم نظروا فى العرض فوجدوا العمران من موضع خط الاستواء إلى ناحية الشمال ينتهى إلى جزيرة ثولى التى فى برطانية حيث يكون طول النهار الأطول عشرين ساعة. وذكروا أن خط