صالحاتها ، كما توحيه الرهانة نفسها فانها القيد والحصر ، وكذلك آيتها الأخرى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) (٧٤ : ٣٨) فإنهم لا يرهنون ان لم تبق لهم سيئات ، بين ما لم يقترفوها وما كفروا عنها ، فنفوسهم ليست رهينة طالحات وسجينتها.
وقد تدل رهانة النفوس باعمالها انها باقية معها ، وكما تدل عليه (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ) دون «من ثوابهم» فإمكانية النقص من العمل ليست إلا ببقاء العمل ، إذا فالمستفاد من هذه الضابطة : ان السيئات هي الراهنة لأصحابها ، تقدر عقوبتها بقدرها ، او ويعفى عن بعضها في ظروفها ، واما الحسنات فهي لا ترهن وتقيد أصحابها بقدرها ، فان الثواب دوما يزيد على الطاعة ، في أصلها إذ لا تحقق جزاء إلا بفضل من الله ، وفي قدرها ف (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (٦ : ١٦٠) ثم هناك مزيد عند الله بغير حساب (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) ان الله يرزق من يشاء بغير حساب!
فآية الرهانة حين ترهن وتأسر السيئات بقدرها في العقوبات عدلا او باقل منها فضلا ، فهي تحرر الحسنات عن حدودها في الثواب ، كما في كافة المؤمنين ، بل وتحرر الثواب كذلك عن قيد الحسنات فيما لم تكن سيئات ولا حسنات كأطفال المؤمنين والكفار ، وكذلك فيما كانت سيئات مكفرة وحسنات لا تستحق إلا قدرها من الثواب الفضل ، كدخول الذرية التابعين بإيمان ، الجنة ، ثم إلحاقهم بآبائهم في درجاتهم او بعضها فإنهم يستحقونها إذ لم يعملوا لها ولكن الله يلحقهم بالآباء تقريرا لعيونهم (١) ، رغم ان الذرية أنفسهم لا يستحقونها لا عدلا ولا فضلا! ، فإذ يلحقهم الله بآباءهم ، ليس ذلك إلا إكراما للآباء حيث تقر عيونهم ، فتقدر
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١١٩ ـ اخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس ان النبي (ص) قال : إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وذريته وولده فيقال : انهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول : يا رب! قد عملت لي ولهم فيؤمر بالحاقهم وقرء الآية. وفي معناه ، رواه في الكافي عن أبي عبد الله (ع) في الاية قال : قصرت الأبناء عن عمل الآباء فالحقوا الأبناء بالآباء لنقر بذلك أعينهم.