والحق انهم هم المبايعون المؤمنون الثابتون الأوفياء (١) لا المسلمون المستسلمون والناكثون ، كما الله خص الموفين منهم بأجر عظيم (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) من سكينة وفتح قريب ومغانم هنا في الاولى ، ومن اثابات اخرى في الاخرى.
ولذلك نرى المرضى عنهم هنا هم المؤمنون فهم الأوفياء ، والمبايعون في الآية الاولى أعم منهم (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) ولذلك قسمهم ب «من نكث ومن أوفى» فالأولياء هم المؤمنون المرضيون في آية الرضوان والناكثون غير مرضين.
ان المبايعة هذه كانت درجات حسب درجات المؤمنين ، فمنهم من بايعه وقتها شكليا ثم نكثها ، ومنهم من بايع فقط على ألا يفر من زحف ، لا على الموت كالخليفة عمر (٢) ومنهم من بايعه على الموت في سبيل الله (٣) درجات حسب الدرجات ، كما ان النكث كان دركات حسب الدركات.
فكما الآية الاولى تمدح ـ فقط ـ الأوفياء ممن بايعوه تحت الشجرة ، كذلك هذه (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ، وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها ..) كل ذلك خاص بمن علم الله ما في قلوبهم من صدق البيعة من الأوفياء دون الناكثين اللعناء.
ولو اننا استشرفنا الى تلك اللحظة القدسية ، لوجدناها أقدس موقف في
__________________
(١) المصدر : اخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله «فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ» قال : انما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء.
(٢) الدر المنثور ٦ : ٧٤ ـ اخرج مسلم وابن جرير وابن مردويه عن جابر (رض) قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر (رض) آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة وقال : بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت.
كما وان معقل بن يسار اقتفى اثر الخليفة في هكذا بيعة.
(٣) كما علي عليه السلام بايعه (ص) على كل ما في نفسه وتبعه ابو سنان الأسدي حيث قال له النبي (ص): على م تبايعني؟ قال : على ما في نفسك ، أخرجه البيهقي في الدلائل عن الشعبي.