مطلقة دون أجر ، ماديا أو معنويا (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) بل وحتى إن هتكوهم وضربوهم فأحرجوهم وأخرجوهم ، ليسوا هم بتاركي دعوة الحق ، مما يدل على صدقهم القاطع ، فلا مال هنالك ولا منال ، إلّا حرمانا عن زهرة الحياة ، ومهاجرة دائبة في سبيل الدعوة ، وكما نراها في كل داعية رسالية!
(اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) وحتى إذا لم يحملوا آيات الرسالة ومعجزاتها ، كما وهو السنة المتبعة في التقاليد الحقة الحرة لكل جاهل عن عالم ، كيف وهم أولاء الرسل يحملون آيات الرسالات في ذوات نفوسهم وذوات ألسنتهم وأيديهم وكما برهنوا بها (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ).
«ليس الأنبياء عملا ولا عمالا إلا لرب العالمين» (٢٦ : ١٠٩) (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١١ : ٥١) (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) (١١ : ٢٩).
فمن لا يسأل على رسالته ـ على صعوباتها ـ أجرا وهم مهتدون ، وليست لهم رباط إلّا بالله ، إذا فأجرهم على الله ، وكما رسالتهم من الله ، ولا مغالاة لهم في سؤال الأجر وفي الدلالة ، فالمقتضي لاتباعهم ـ وهو الاهتداء بهم موجود ، والمانع وهو الضلال أو الأجر مفقود.
فإنهم ليسوا ليطلبوا أو يأخذوا من دنياكم شيئا بديل الدعوة حتى تخسروا منها باتباعهم ، وإنما يدلونكم إلى الهدى ، فلكم في اتباعهم خير الآخرة والأولى ، وفي تركه ، هم ـ لأقل تقدير ـ لا يخسرون وأنتم الخاسرون ، وهذا يشبه احتجاج علي (عليه السلام) «إن صح ما قلت فقد تخلصنا جميعا وإلا فقد تخلصنا وهلكت»!
(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٢٢).