هنا بعد الهول الرهيب للذين ظلموا وتقطّع الآمال ، وتميّز الحال واضطراب البال ، لا يغنيهم أي فداء عما ظلموا بما أسرفوا على أنفسهم ، يفتح الله أبواب التوبة والأوبة والغفران بمصاريعها ، حتى ليطمع أهل الكبائر العظائم في رحمة الله غير قانطين عنها ، ولكنها فرصة متاحة بشروطها في أوانها قبل إفلاتها وفوات الأوان! حالة وسطى بين الخوف المطلق فإياس وإبلاس ، وبين الرجاء المطلق فاللّامبالات والارتكاس :
(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا ... وَاتَّبِعُوا.).
وإنها أرجى آية في كتاب الله وأوسعها (١) تنزل في وحشي بن حرب وكل حرب وحشي حين يدعى إلى الإسلام ، وهو يسترخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أسرف ، فتنزل (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥ : ٧٠) فلا يقنع لأنه شرط شديد فلعلي لا أقدر على هذا ، فتنزل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤ : ٤٨) فكذلك الأمر «فلا يدرى يغفر لي أم لا فهل غير هذا» فأنزل الله آية الإسراف هذه فأسلم
فقال الناس يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنا أصبنا ما أصاب وحشي قال (صلى الله عليه وآله وسلم) بلى للمسلمين عامة (٢).
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٣٣١ ـ اخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال قال علي اي آية أوسع فجعلوا يذكرون آيات القرآن (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) ... ونحوها فقال علي رضي الله عنه ، ما في القرآن أوسع آية من (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ...)
(٢) المصدر اخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان بسند لين عن ابن ـ