إذا ف «النوم أخ الموت» ومثل له يمثّله كبراعة استهلال ، فانه توفّ كما هو ، مهما افترقا بتوفي الروح كله أو بعضه ف (هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ...) (٦ : ٦١) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، فحين نفكر في النوم والموت نجد بينهما تقارنا بفاصل يخص الموت ، فالنوم ـ إذا ـ آية حسية مكرورة طول الحياة تدل على إمكانية الحياة مع الموت وبعده ، معه حيث النائم ميت في نفسه حيّ في روحه ، حياتا برزخية أولى ، فلتكن في الموت حياة برزخية ثانية بعده وكما النائم يبعث باستيقاظ ، كذلك الميت يبعث للحياة الاخرى بنفخ الصور.
وإرسال النفس بعد توفّيها في المنام قضاء لأجلها ، آية إرسالها بعد موتها قضاء لأجرها.
واليقظة بعد النوم آية أن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.
وآية للرحمة المتواصلة الإلهية تقطع عن الإنسان معاذيره كيلا يقول (إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ...).
وكما أن راحة النوم عن حركات التعب ونهضات النصب آية أخرى تخجل الإنسان أمام ربه إذ يذكّرها ، فليراقب أعماله بعده ، وكما ترى في منامك رؤياءات صادقة لمكان تجرد أكثر مما في اليقظة ، وهناك تنفتح لك شعبة من الوحي فترى ما لا تراه في اليقظة ، كذلك ـ وبأحرى ـ بعد الموت حيث تتجرد أكثر من النوم ، داخلا في عالم تمامه الصدق ، فترى ما لم تكن تراه في حياتك الدنيا يقظة ونوما ، حيث تكشف عنك غطاءك كلها : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).