ولقد كانت زوجته رق قلبها وحدبت عليه ولم تطاوعها نفسها الكريمة الحنونة أن تتركه وشأنه ، وقد لزمته منذ اوّل بلائه على طول المدة وطائل المحنة ، فرجعت إليه كعادتها تعاود إصلاح شأنه فترى عجبا حين ترى شابا مكتمل الشباب ، غض الإهاب ، مكتنز اللحم ، وافر المنة والقوة ، فحمدت الله على ما ردت إليه من عافية.
فهل إن أيوب يتركها ويستبدل بها غيرها ، بعد أن يضربها مائة سوط كما عهد من ذي قبل؟ ما هكذا الظن به ولا المعروف من فضله ، أن يتناسى حنانها الدائب ، وحضورها الواصب.
وحين لا يتركها فما ذا يفعل بعهده عليها وهو بلاء على بلاء وعناء على عناء ، إذا يأتي الوحي الحبيب من الحبيب :
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤٤).
خذ حزمة من القش والريحان تشتمل على مائة باقة واضرب بمجموعها زوجك مرة واحدة ، حفيفا رقيقا رفيقا ، رخصة لك في يمينك ، ورحمة بهذه المخلصة الصالحة التي احتملتك في مرضك ، وشاركتك في آلامك!.
ولئن سئلنا كيف يبتلى أيوب بمثل هذه البلية التي تنفّر عنه الطباع ، أبذنب؟ والأنبياء لا يذنبون ، أم بغير ذنب فأسوء وأنكى ، ومن لزامات الرسالات بقاء الرسل في حالة جذابة غير منفرة ، والروايات تقول أصبح بدنه كله منتنا مدوّدا.
فلنضرب بروايات متخلفات ومختلقات ـ تمس من ساحة نبي الله أيوب وتنتقص من سماحته ـ نضربها عرض الحائط ، كما هو مصير آيات مختلقات