لا محيي للأحياء يوم الإحياء إلّا هو ، ولا كاتب لأعمالهم في حياة التكليف إلّا هو ، ولا محصي لكل شيء قبل شيئه إلّا هو ، توحيدا في مثلث الأفعال مبدأ ومعادا وبين المبدء والمعاد ف (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
وعل «الموتى» يعم بعدي الموت ، قبل الحياة الدنيا وبعد الموت عنها : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢ : ٢٨) : نحيي موتى الأجنّة بعد موتها الكائن «فأحياكم» ثم نحي موتاهم بعد حياتهم وموتهم (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ).
فالإحياء الأول قضية الفضل واقع مكرور على أية حال ، ملموس غير منكور بحال ، فبأحرى الإحياء الثاني قضية العدل وهو أهون عليه (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٣٠ : ٢٧).
ثم (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) في الحياة الدنيا تثبيتا لها في ظروف عدّة ، حجة لهم وعليهم يوم يقوم الأشهاد ، كتابة في أعناقهم وذوات أنفسهم بتسجيل الصور والأصوات: (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٧ : ١٤) وكتابة في أرضهم بأجوائها وأشيائها بأشياعهم: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (٩٩ : ٥) (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٥ : ٢٩) وكتابه بكرام كاتبين مؤمّرين من قبل رب العالمين (كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (٨٢ : ١٢) وكتابة في سجلّات ضمائر الشاهدين : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) (١٦ : ٨٤) كتابات أربع تجمع كافة الشهادات العينية وما دونها.
وترى ما هو الفارق بين (ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ)؟ والأعمال كلها مقدّمة