وكيف أقبلوا إليه دون بيوتهم وأشغالهم ولا يعلمون ماذا فعل بآلهتهم؟ علّهم تسامعوا بالخبر ، أم خمّنوا تحقيقا لتهدد إبراهيم ، فلذلك أقبلوا إليه يزفون : يسرعون حاملين أصحابهم على الزفيف لمعرفة الحال بكل عجال ، وهم جمع كثير هائج ، وجم غفير مائج ، وهو فرد واحد لا يخاف إلّا ربه ، فهو أقوى من هذه الكثرة وهم إليه يزفون : (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ. قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ. قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ. قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ...) (٢١ : ٦٧) :
(قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)(٩٦).
كيف تعبدون ما تنحتونها أنتم ، عبادة الصانع للمصنوع والخالق للمخلوق؟ فإن حقّت في هذا البين عبادة فلتعبدكم ما تنحتون! ثم لا عبادة في هذا البين (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) الناحتون (وَما تَعْمَلُونَ) آلهتكم التي تنحتون «فان الله صانع كل صانع وصنعته» (١)
تلك ـ إذا ـ عبادة تمجها الفطرة ويرفضها العقل وكافة الموازين العقلية وسواها! ويا لها من حجة بالغة دامغة قد صفعهم بها صفعة نبّهتهم عن غفلتهم ، وأيقظتهم عن غفوتهم ، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون في أنفسهم قائلين (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ)
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٢٧٩ ـ اخرج البخاري في خلق افعال العباد والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن حذيفة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الله ... وتلا عند ذلك (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ).