يباغتهم عذاب الاستئصال ، ولا هناك مهما سئلوا سئوال التنديد والإفحام دونما استفهام : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٣٧ : ٢٤) ، وعذاب المجرمين مباغتة دون تساؤل الاستعلام ، فهو عذاب فوق العذاب ، وهذا هو مصير الأثرياء المفسدين في الأرض بثرواتهم الهائلة ، ولا سيما هؤلاء الذين يحصلون عليها ببغي ، بسعي أم دون سعي.
تلك النصيحة الفسيحة الفصيحة لم تزدد صاحب الكنوز إلّا عتوا ونشوزا ، وإفسادا في الأرض اكثر مما كان :
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ٧٩.
«على» هنا تلمح لخروج عال غير متعوّد إظهارا لقوته الزاهية وشوكته العالية «في زينته» كأكثر ما يمكن ، فقد خرج بمسرح هذه المسيرة الغالية في كل زينة له ممكنة ، ليقطع ألسنة الناصحين ، ويقمع الحاسدين عليه الناقمين ، فقد تصدق ما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه «قال في اربعة آلاف بغل يعنى عليه البزيون» (١).
في ذلك الخروج ينقسم قومه قسمين : (الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) و (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) والأولون وهم الأكثرية الساحقة في كل زمان ومكان ، هم الذين تستهوي زينة الحياة قلوبهم وتبهرهم دونما تطلّع إلى الحياة العليا ، فتتهافت نفوسهم كما الذباب على الحلويات ، وتتهاوى في هوات ، سائلة لعابهم على ما في أيدي الأثرياء ، ذوي الزينة والكبرياء ، يتمنون لو أن لهم مثل ما لهم ، إذ هم ـ فقط ـ يريدون الحياة الدنيا ، ويرونها الحظ العظيم ، وذلك
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٣٨ ، اخرج ابن مردوية عن أوس بن أوس الثقفي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قال : ...