ولماذا يتقدم هارون أخوها على أبيها ومن ثم أمها؟ علّه لأن هارون كان اقدس أنسبائها وأشهر في قدسيته من أبيها لحد يتعالى حتى عن أن ينفى عنه السوء ، ثم أبوها ما كان امرء سوء ، ثم أمها ما كانت بغيا!
ومثلث النسبة هذه والرعاية العالية الطاهرة في ظله يجعل من البنت طاهرة بعيدة عن هذه الفعلة العاهرة ، فيا للمفارقة بين هذه النسبة المباركة وتلك المقارفة النكدة الدنيئة التي لا تأتيها إلا بنات بغايا والآباء السوء!.
والقول إن هارون هذا لم يكن أخاها وإنما مثيلها في التقوى مشهورا بها ، غير فصيح ولا صحيح ، حيث الحقيقة لا تصرف الى مجاز إلا بقرينة ، وأنهم كانوا في تقريعها وتأنيبها سابق الجملة : (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) ولا حقها : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ..) والاخوة المثيلة بهارون ، لها مدحة بالغة! (١).
أشارت إليه إشارة قائلة (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) واسألوه فانه المجيب عما تسألون! أم قالت لهم نذرها قبل بدايته وقبل أن يكلموها ، ثم أشارت إليه إجابة عما افتروا عليها ، هنا يبهرهم العجاب على الغيظ الذي ساورهم ، كيف تتبجح فتسخر من متسائليها ، صامتة مشيرة الى (مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) قالوا جوابا عن إشارتها الهازئة الفالتة في حسبانهم (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)؟!.
وترى ما هي مكانة «كان» هنا وكل أحد كان في المهد صبيا مهما كان
__________________
ـ نجران فقالوا أرأيت ما تقرؤون (يا أُخْتَ هارُونَ) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال : ألا أخبرتهم ..
(١) مجمع البيان : يا اخت هارون فيه اقوال : أحدها ان هارون هذا كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ينسب اليه كل من عرف بالصلاح عن ابن عباس وقتادة وكعب وابن زيد والمغيرة بن شعبة يرفعه الى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أقول وهذا المرفوع اليه مرفوع عنه في المعنى لما قلنا ومضى عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم). والراوي عنه في هذين المتعارضين واحد وفصاحة القرآن تنافي الثانية.