(فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) (٢٣).
فاجأها المخاض فأجاءها ـ ان جاء بها ـ الى جذع النخلة لتجعله لبأسها سنادا ولظهرها عمادا. فانها وحيدة تعاني حيرة العذراء في اوّل مخاض ، دون ان تعرف منه شيئا او يعينها احد في شيء فلجئت الى جذع النخلة كقابلة تسندها.
معاناة المخاض من ناحية وغربتها من اخرى وهزتها من ولادة دون بعل من ثالثة تسقطها في يديها وتحيرها في أمرها وتشد حزنها وتغلي مرجل غيظها فتقول متأوهة حائرة : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا)!
ترى وكيف قالت قولتها هذه وهي عارفة بأن هذه الولادة هي من الله آية للناس ورحمة للعالمين؟ علّها لكربتها وغربتها وشدة وطئتها نسيت الآية الرحمة ، و «لأنها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزهها عن السوء» (١) مهما دافع عنها أهلها!
(مِتُّ قَبْلَ هذا) قد يعني قبل حملها ، او يعني قبل وضعها ام يعنيهما حتى لا تقع في هذا المأزق المزلق ، (وَكُنْتُ نَسْياً) ما يحق ان ينسى لدناءته كخرقة حيض او علقته ، ثم «منسيا» يعني نسيانا على نسيان! ألا يتذاكروني في شيء وأنا منذ الآن علقة الألسن تتداولني في نقاض ونقاش!
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٢٢٠ ح ٤٦ مجمع البيان في الآية انما تمنت (عليها السلام) الموت استحياء من الناس ان يظنوا بها سوء عن السدي وروي عن الصادق (عليه السلام) : انها ...