ولكن كيف تصدقه وقد تكون حيلة فاتك يستغل طيبتها ، وكيف تهب لي غلاما زكيا وأنت رسول وأنا ما عرفت رجلا ، وهي الآن في هذه الهزة الثانية تسأل في صراحة تغاضيا عن احتمال الحيلة ، كأنها لا هي مصدقة برسالته فتطمئن الى هبة ربها ، ولا مكذبة فتجانبه فورا ، فرغم أنها اطمأنت بالأمان من ناحيته تغشيها سحابة الحزن من أخرى ، وتطوف بها موجة من الاسى ، إلّا ان هول الموقف ليس ليعقد لسانها ، حيث تذكر هذه البشرى قبلئذ على إجمالها من ملاك ربها ، ولكن هول البشرى ـ إذ هي على أشراف تحققها دون بعل ، وقد تخلف تهم الجاهلين ـ إنه يبعثها لسؤالها حائرة ذعرة.
(قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)(٢٠).
هبة الغلام لها وسيلة تكوينية من نكاح أم سفاح ولا أعرف ثالثة ، ف (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) اي زمن وأيان؟ (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) بنكاح (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) بسفاح؟
وترى ألم تكن هناك في خلدها وسيلة مستقبلة لهذه الهبة الربانية بهذه البشارة؟ كلا! حيث «لأهب» تقاطع كل وسيلة مستقبلة ، وتصرف مثلث زمن الهبة الى الحال ، وبواسطة رسول الرب! فلا وسيلة لأصل الهبة حيث تتحقق الآن إلا ماضية من نكاح او سفاح وهي منتفية ، فلا تعرف هي من «لأهب». تغاضيا عن مقاربته ـ معنى إلا البشارة بغلام زكي انعقد قبل البشارة وهي نافية لكل انعقاد ماض! ولمّا يخلد بخلدها أنها بشارة بخارقة ربانية دون اي لقاح من نكاح ام سفاح! اللهم الا ما بشرته الملائكة باجمال ... فيأتي الجواب الحاسم هنا كما أتاها من ذي قبل :
(قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا)(٢١).
«قال» أمرك في هذه الولادة العجيبة «كذلك» الذي قلت عن رسالة