ف «لقد علمت مريم ان التقي ذو نهية» (١) والتقي ينتفض وجدانه عند ذكر الرحمن ويرجع عن دفعة الشهوة ونزعة الشيطان وقد كانت ملامح التقى ظاهرة فالمؤمن ينظر بنور الله! ف «الله» يستعاذ ـ فقط ـ به عند الإياس عن كل دافع عن الشيطان ، و «الرحيم» يستعاذ به فيما تكون للرحمة الخاصة موقع كأن يكون المستعاذ منه ذو رحمة خاصة تدفعه عما يخاف ، وكما نعوذ بالله منه «أعوذ بك منك»! بشفاعة رحمته الخاصة ، ثم الرحمان يستعاذ به ممن غلبته الشهوة وهو تقي ، والشهوة الغالبة لا تعرف رحمة ، وانما التقوى من الرحمن ، تذكر بتلك الرحمة الشاملة التي تنفذ في كل شيء ، وأنا الطاهرة مريم شيء ، وأنت البشر السوي شيء. وهنا ليس احد يدفع إلا الرحمن ف (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) .. ولكنه يعيد طمأنينتها ويسكن روعتها إذ :
(قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)(١٩).
انا فوق التقي الذي يتحول عند الشهوة الى شقي (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) ينحصر كوني وكياني وتمثلي عندك برسالة ربك ، رسالة تربوية معصومة من ربك الذي ربّاك حتى الآن ويربيك ما دمت حيا ، أما تستقبلين رسول ربك حيث يحمل لك هبة ربانية منقطعة النظير ، هو البشير النذير (لِأَهَبَ لَكِ) في هذه الرسالة بإذن ربك (غُلاماً زَكِيًّا) بكل طهارة وسلام؟ وكل نضارة ووئام.
فلقد طمأنها في هذا اللقاء بأمرين : (أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) بعيد عن الشهوة الجنسية فلا حاجة إلى عوذة! (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) من دون وقاع مهما كان حلا فضلا عن الحرام ، وانما احمل هبة ربانية هي خارقة.
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٢٦٧ ـ اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي وائل في الآية : ...