بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (٢٣ : ٩٦) فقد يدفع السيّء بالسماح ، أم إذا لزم الأمر لدفع ظلمه بتأديب وتأنيب كما يصلحه او يحجز عن ظلمه ، وأخيرا كآخر الدواء الكي ، القتل ، إذا كانت حياته على أية حال ظلما على المجموعة ، فكل ذلك الدفع ليس إلّا بالتي هي أحسن ، وكصورة اولى (.. فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٤١ : ٤)!.
ان التعذيب في (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) يشمل مراتب النكال هنا اعتداء بالمثل او دون ذلك ، من ضرب الى قتل وبينهما متوسطات ، وكما أن حسن الجوزاء وحسناه في الاولى والاخرى له درجات حسب الدرجات (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً).
وبصيغة اخرى إن تحقيق ذلك التخيّر في مراتب التعذيب وحسن الجزاء هو يمثل (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) فان تعذيب الظالمين إحسان بالمجموعة وحتى بالنسبة للظالمين رجاء رجوعهم ام ـ لأقل تقدير ـ تقليلا لظلمهم. فلو ظلوا طويلا لأضلوا وظلموا كثيرا!
كما ومن اتخاذ الحسن فيهم إرشادهم عن غيّهم ومساعدتهم عن عيّهم ولكي يجيدوا الايمان وعمل الصالحات ويجيدوا عن الطالحات.
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً)(٩١).
خطوة ثانية في مثلث الرحلة كأنها أطولها فانها من أقصى المغرب الى أقصى المشرق طوال اليابسة الأرضية مهما كانت بينهما بحار وأنهار! و «ثم» هنا تلمح للتراخي بين وصوله الى أقصى المغرب ومغادرته عنها ، وهذه طبيعة الحال في سفرة اصلاحية كهذه ، وفي قوم لم تسبق لهم سابقة إصلاح كهذه السابغة اللائقة ، هذا وإن كنا لا ندري زمن ذلك المكوث اللهم إلّا لمحة ثمة من «ثم».