وما هو (جَزاءً الْحُسْنى) للذين آمنوا وعملوا الصالحات؟ انه جزاء أحسن مما عمل ومما يجزى في الحياة الدنيا ، فهناك تصريحة بعذاب الدنيا لمن ظلم «فنعذبه» لأنه ثابت حكما على أية حال وعملا لمن مكن في الأرض ، وهنا تلميحة للجزاء الحسن وتصريحة بالأحسن حيث الثواب يوم الدنيا غير ثابت ولا موعود إلّا أحيانا!.
ولماذا «جزاء» منصوبا «لان الحسنى مبتدء ل «له» وقدم الخبر للحصر «له لا لسواه» : فله الحسنى جزاء ، والنصب على التمييز ، دون حاجة الى تكلفات أدبية اخرى لا يرضاها أدب القرآن! : فله ـ فقط ـ من حيث الجزاء المثوبة الحسنى أحسن مما قدم ويستحقه في الحياة الدنيا (١).
وهذه طريقة مثلي ومعاملة حسنة مع فريقي الظلم والايمان ، تخيرا للحاكم المبسوط اليد بالتي هي أحسن في «إما .. وإما» دون تخير فوضى وأعمى ، وإنما عدل صارم عقابا لزاما ، وفضل كارم ثوابا كراما!
إنه ليس الحكم والسلطة الإلهية ظلما وزورا وغرورا ما وجدت لها سبيلا ، وإنما هي رحمة على المجموعة وقضيتها القضاء على المعتدين ، فإمهالهم اعتداء على المظلومين ، فهي رحمة ما وجدت لها سبيلا وحتى للذين ظلموا إذا كان السماح عنهم لا يضر بالمجموعة وان لم تنفعهم توبة ، فضلا عمن يفيق ويتوب ، دستور إصلاحي بكل معانيه ، يتبني الصلاح بكل مبانيه!
نرى القمة الرفيعة من هذا الدستور في الشرعة الإسلامية ، وتدلنا سيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) على مدى هذه الأخلاق الفاضلة ومن نماذجها (ادْفَعْ
__________________
(١) فالحسنى وصف لمقدر المثوبة وجزاء تمييز عن سائر ما له في الأخرى ، وتقديم جزاء لافادة تهيئ اكثر من العادة ، وما أحسنه لفظا ومعنى! ..