وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ..) فالتخير هناك كالتخير هنا راجع الى ما يختاره الحاكم الشرعي وفق مختلف الموازين في مختلف المجرمين دون ان يكون أعمى وفوضى ان يجزى اقل الساعين في الأرض فسادا قتلا ، ثم ينفى أشد المحاربين حبسا!
المعذب هنا يعذب حسب مرسوم الشرعة الإلهية بينا وعرفا : (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) ومن ثم نكرا : غير معروف ولا منتظر هنا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) حيث ظلم دون إفاقة بعد الذكرى ورؤية البأس ، واما التائب عند رؤية البأس فقد لا يعذب هنا إذا كانت توبة صادقة او تحتمل ، ثم أمره الى ربه!
فالظرف هنا للظالمين الجلّ بمختلف ظلمهم ، وتوبتهم وعدم توبتهم ، هو يقتضي تخيّر الحاكم فيهم كما اختار ذو القرنين وما أحسنه ، وحسب مرسوم الشرعة العادلة والفاضلة الإلهية : إعلانا في هذه الإذاعة القرآنية أن للظالمين المعتدين عذابهم عاجلا ، وآجلا يزيد نكرا ، ولغير المعتدين منهم إمهال دون إعجال رجاء الرجوع الى عدلهم ، وللتائبين الآئبين قول يسردون عسر (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) دون تعذيب ولا تأنيب في قولة لاذعة ، فالإسلام يجبّ ما قبله! وانما قول يسر حيث تاب عما سلف : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) (٨ : ٣٨) ثم قول يسر فيما يتوجب عليه تداركا لما قد سلف ، والأمر في «من إمرنا» شرعي للحاكم المتمكن ، إشارة الى أنني لست ممن يتذرع الحكم للقول العسر والتكليف العسر ، وإنما يسر في يسر.
ثم مقابلة «من ظلم» ب (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يوسع نطاق الظلم الى كفر عقائدي وعملي لازما او متعديا ، والى فسق عملي لمن آمن على مراتبهما بأحكامهما الجزائية.