هنا تبدء الآيات بالمعجزة الكونية ، الدالة على المكون الواحد العليم الحكيم القدير ، برسم مشاهد كونية بارعة ضخمة ، لمسة في السماوات وأخرى في الأرض ، ثم لمسات تلو أخرى في مشاهد أخرى (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)!
فاللمسة الأولى تبدء بالسماوات المرفوعة ، المعروضة على الأنظار ليل نهار ، حيث نرى سماوات مرفوعة (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) فمن هذا الذي رفعها؟ ومن هذا الذي دعمها؟ إلّا الله الواحد القهار؟!
(السَّماواتِ) جمعا هي السبع الطباق ، فحين نراها دون وثاق ، والمرفوع في الجو بلا وثاق يدعمه مستحيل في العقول ، فليكن لها «عمد لا ترونها» فثم عمد ولكن لا ترونها» (١) فان «ترونها» تصف العمد وهي جمع العماد ، ولو لا عمد تدعمها لكانت «ترونها» زائدة بائدة ، فهي إذا توصيفة احترازية عن عمد غير مرئية ، إذا فهي «موطدات بلا عمد ، قائمات بلا سند» (٢) مرئية : «سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا بغير عمد تدعمها ولا دسار ينظمها» (٣) ولا رفع إلّا برافع ، ولا حفظ ولا سمك إلّا بحافظ وسامك ممسك!.
تاتي «السماوات» في ساير القرآن (١٩٠) مرة ، ولا رفع لها إلّا هنا
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٨٠ ح ٥ القمي حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال قلت له : اخبرني عن قوله تعالى (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) فقال : هي محبوكة الى الأرض وشبك بين أصابعه فقلت كيف يكون محبوكة الى الأرض والله يقول (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) فقال : سبحان الله أليس يقول (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) فقلت : بلى قال : فثم عمد ولكن لا ترونها ...
(٢) في نهج البلاغة قال (عليه السلام): فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطدات ..
(٣) النهج في كلام له يذكر فيه خلق السماوات «جعل سفلاهن موجا مكفوفا وعليا هن سقفا محفوظا ..