(اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) لا يعني إلّا مجرد ذكره عند الملك ليخرج عن التناسي المعمّد بحقه على ذكر تهمة الخيانة المتداولة على الألسن ، دون أية وساطة بينه وبين الملك ، او التماس عفو أمّا ذا مما لا تناسب ساحة العبودية فضلا عن سماحة الرسالة ، فإنما «اذكرني» والذكر فقط ، ولو كان أمرا وراءه قال : عند الملك ، ام : عند الرب أم : عند ربنا ، ليستجيش رحمته عليه ، ولكنه (عِنْدَ رَبِّكَ) إعلانا بان ربوبيته وسلطته ليست على ذلك السجين ، وإنما على ربعه والذين استخفهم فأطاعوه.
وحتى إذا أرسل إليه الملك (ائْتُونِي بِهِ) يقول لرسوله (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) دون استجابة لدعوة الخروج ، ولا امتنان منه ، فإنما (ارْجِعْ ... فَسْئَلْهُ ..) ليأخذ البرائة وهو في السجن ، فيكون خروجه عن سجن التهمة قبل هذا السجن الذي قال عنه : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ).
(فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) انشغالا بما كان من سقاية الخمر للملك ، وتناسيا تلك الفترة الرحيمة في سجنه مع يوسف الصديق ، حيث الشيطان يحاول دوما في إبقاء الصدّيقين في السجن بتهمة الخيانة أمّا هيه من تهمة ،
ومن مخلفات ذلك النسيان :
(فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) والبضع فوق الثلاثة ودون العشرة ، ثم لا نرى يوسف أن يعود في التوسل ، حيث طبّق واجبه الإيماني والرسالي وعلّ في تكراره مع السجناء الآخرين مزرئة بساحة الرسالة ، فيصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ، ولم يكن طائل السجن له في باطن أمره إلّا لصالحه ، فعلّه لو خرج قبل بضعه لكان فيه تهدد لبضعه من كيد امرأة العزيز ونسوة في المدينة!