في البغضاءِ يعني مصغون لهم قائلون كلامهم أو سماَّعون منك لأجلهم وللإِنهاءِ إليهم يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بتغييره وحمله على غير المراد واجرائه في غير مورده أو إهماله يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ ان أوتيتم هذا المحرف فاقبلوه واعملوا به وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ بل أفتاكم محمّد صلىّ الله عليه وآله وسلم بخلافه فَاحْذَرُوا قبول ما أفتاكم به قيل كان سبب نزول هذه الآية ما مر في تفسير قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ من هذه السورة من قصة ابن صوريا ومحاكمته بين نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم واليهود.
والقمّيّ : كان سبب نزولها إنّه كان في المدينة بطنان من اليهود من بني هرون وهم النّضير وقريظة وكانت قريظة سبعمائة والنّضير ألفاً وكانت النّضير أكثر مالاً وأحسن حالاً من قريظة وكانوا حُلَفاء لعبد الله بن أبيّ فكان إذا وقع بين قريظة والنّضير قتل وكان القتيل من بني النّضير قالوا لبني قريظة لا نرضى أن يكون قتيل منّا بقتيل منكم فجرى بينهم في ذلك مخاطبات كثيرة حتّى كادوا أن يقتلوا حتّى رضيت قريظة وكتبوا بينهم كتاباً على أنّه أيّ رجل من اليهود من النّضير قتل رجلاً من بني قريظة أن يحنّب (١) ويحمّم والتحنيب أن يقعد على جمل ويولى وجهه الى ذنب الجمل ويلطخ وجهه بالحمأة (٢) ويدفع نصف الدية وأيّما رجل قتل رجلاً من النّضير أن يدفع إليه الدّية كاملة ويقتل به فلمّا هاجر رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم ودخل الأوس والخزرج في الإِسلام ضعف أمر اليهود فقتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النّضير فبعثوا إليهم بني النّضير ابعثوا إلينا بدية المقتول وبالقاتل حتّى نقتله فقالت قريظة ليس هذا حكم التوراة وانّما هو شيء غلبتمونا عليه فاما الدّية وإِمّا القتل والّا فهذا محمّد صلىّ الله عليه وآله وسلم بيننا وبينكم فهلموا نتحاكم إليه فمشت بنو النّضير الى عبد الله من أبي فقالوا سل محمّداً أن لا ينقض شرطنا في هذا الحكم الذي بيننا وبين قريظة في القتل فقال عبد الله بن أُبيّ ابعثوا رجلاً يسمع كلامي وكلامه فان حكم لكم بما تريدون والا
__________________
(١) حنّب تحنيباً نكّس.
(٢) الحمأة الطّين الأسود المنتن.