٣ «الحامدون» الله دون سواه إلّا حمدا به لله ، «الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء (١) حمدا بأقوالهم وأحوالهم وأفعالهم لله» (٢).
٤ «السائحون» سيحا أنفسيا كالصيام (٣) وما أشبه ، وسيحا في سبيل الله جهادا (٤) وسواه وهو مأخوذ من سيح الماء الجاري ، فالمؤمنون الموفون بعهودهم من الله هم كالماء الجاري : فكما أن راكد الماء ينتن ويتعفن وجاريه ينظف وينظّف ، كذلك المؤمنون هم سائحون جارون في مجاري الصلاح والإصلاح لأنفسهم وللآخرين ، فمن الجري في أنفسهم الصوم حيث يطهّر القلب بجاري ماءه الحيوي ، ومنه في أنفسهم ومن سواهم الجهاد في سبيل الله وله مصاديق عدة.
كالسيح لطلب العلم في الله ، وكسب الإخوان في الله ، والسير في أرض الله وكل سيح آفاقي وأنفسي في سبيل الله ، فالجامد الواقف ليس مؤمنا بالله ، إنما هو الحركي السائح الكادح : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٨٤ : ٦).
ولقد ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مصداقا أنفسيا فرديا لذلك السيح هو الصيام ، ومصداقا آفاقيا هو الجهاد في سبيل الله ، وهذا
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٨١ عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ..
(٢) المصدر أخرج البيهقي في الشعب عن عائشة قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتاه الأمر يسرّه قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر يكرهه قال : الحمد لله على كل حال.
(٣) المصدر أخرج ابن جرير عن عبيد بن عمير قال سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الساكنين قال : هم الصائمون ، ورواه عن أبي هريرة وابن مسعود عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).
(٤) المصدر أخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة أن رجلا استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في السياحة قال : إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله.