جنس القربة الشاملة ل «قربات وصلوات» قربة لهم في الدارين حسب نياتهم واندافاعاتهم الإيمانية ، ومن قربة لهم (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) جزاء وفاقا (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) عن قصوراتهم وتقصيرات لهم «رحيم» بهم.
فمهما كانت طبيعة الأعرابية بعض الجفوة والغفلة ، ولكن الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق في سبيل الله ، هما حسنيان عظيمتان يستحقون بهما قربة ورحمة.
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١٠٠).
هنا زوايا ثلاث لهندسة الإيمان الصالح هي : (مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) وهم كلهم (السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) حيث الثلاث كلهم مصاديق لهم فلا تعنيان ـ إذا ـ سبقا زمنيا وأولية زمنية ، إنما هما السبقة والأولية في الصبغة الإيمانية في مثلث الزمان ، فالذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، أولئك هم مع هؤلاء على سواء (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ..) بدرجاتها حسب الدرجات.
فرغم ما يهواه الخليفة عمر ومن ينحو منحاه لا رجاجة للمهاجرين على الأنصار لسبقهم عليهم في زمن الإيمان ، ولا لهما فضل على الذين اتبعوهم بإحسان ، فإن فواصل الزمان والمكان ، والموقعية التأريخية والجغرافية أماهيه ليست بالتي تفضّل زاوية من هذه الثلاث على الأخرى اللهم إلّا بسبقة الصبغة الإيمانية مهما كان صاحبها بعيدا زمانا ومكانا ونسبة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين معه (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٦٩ ـ أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال : مر عمر برجل يقرء: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ..) فأخذ عمر بيده فقال : من أقرأك هذا؟ قال : أبي بن كعب ، قال : لا تفارقني حتى أذهب بك إليه فلما جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال : نعم ، قال : وسمعتها من رسول ـ