(لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) دونما تنديد واستجواب (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) إعراضا قضية النفاق ، فقد لا يعني الإعراض المأمور به الإعراض المطلوب لهم ، بل هو بعد التنديد والتنكيد إعراض عنهم بجعلهم في عزلة كأنهم لا شيء ، فلا تحدثوهم بعد ولا تعاشروهم ولا تواصلوهم أبدا ، فقد وقعت المفاصلة التامة ل (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) فلا ترجسوا أنفسكم الطاهرة بمصاحبتهم ، ولا يرجى منهم أي خير حيث سدوا على أنفسهم كل منافذه (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) وليس التلطّف مع منافق أو كافر إلّا بغية انجذابه إلى الإيمان.
وهنا (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) قد تؤيد عدم نجاسة أبدان الكفار ، حيث الرجس وهو أنجس من النجس ـ وكما اختص ب (لَحْمَ خِنزِيرٍ) مع ردفه بالميتة والدم (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) ـ إنه لم ينجس أبدان المنافقين فكيف ينجس النجس أبدان المشركين ، فإنما هي رجاسة روحية لهم هي أرجس وأنجس من أرواح الكافرين ، ولذلك (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ).
فذلك ـ إذا ـ تجسيم حسي للدنس المعنوي ، ترجيسا لأرواحهم النحسة ، مما يدعو إلى التقذر والاشمئزاز ، فهم رجس يلوث الأرواح ، ونجس يدنس المشاعر ، كالجثة المنتنة في وسط الأحياء حيث تؤذي وتعدي.
وهنا نتبين أن التجنب عن الأرجاس الروحية هو واجب المؤمنين ، اللهم إلّا إذا أثرت فيهم الدعوة الربانية أو أحتمل التأثير ، فأما إذا كان (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فهنا الإعراض عنهم للمؤمنين ، مهما كان للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) موقف آخر هو أوسع من سائر المواقف.
(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(٩٦).
فالمؤمن لا يرضى إلا ما يرضاه الله فكيف ترضون عنهم بحلف وسواه (فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) وفي حديث النبي (صلى الله عليه