يفقدون أموالهم وأولادهم هنا ولا يجدونها هناك إلا عذابا ف «تزهق وهم كافرون».
فالأموال والأولاد قد تكون نعمة يسبغها الله على عباد له شاكرين لأنعمه ، مصلحين أنفسهم وذويهم ، فمتجهين بها إلى الله ، دون أن تلهيهم عنه إلى سواه ، فإذا هم مطمئنو الضمير ساكنو الأنفس ، واثقين في ذلك المسير حاصل المصير ، كلما أنفق من أموال والأولاد في سبيل الله استروح ، وكلما أصيب احتسب ، فالسكينة النفسية على أية حال له غامرة ، وطويته بذكر الله عامرة.
وأخرى تكون نعمة ونقمة يصيب بها آخرين حيث يعلم فسادهم ودخلهم وإفسادهم ، وكسادهم عن الإيمان ودجلهم ، فإذا القلق على الأموال والأولاد يحوّل حياته جحيما وضنكا.
وهذه النعمة النقمة في المنافقين أبرز ، حيث ينفقون من أموالهم ، أو يؤخذ منهم ضرائب إسلامية وهم كارهون ، والكفر ملة واحدة في ضنك المعيشة ، حيث لا أمل لأصحابه في مستقبل الحياة ، وهم في صراع دائم بين أموال وأولاد وشئونات أخرى.
وهنا (تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) تعني العذاب الأخير من الحياة الدنيا ، ف (تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) بكراهية مزدوجة ، أنهم يستدبرون هذه الثروات الركام لغيرهم ، وهم يستقبلون عذاب الأبد ، وإن كانوا ناكرين له حياتهم ، حيث يكشف لهم الغطاء عند الموت ، فبعين يرون الدنيا حسرة وحزنا على تركها ، وبأخرى يرون الأخرى خوفا على دخولها.
فقد يعني تعذيبهم بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا أن (تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) فإنه عذاب يكسح وينسي كل رياحة سلفت ، وكفاه عذابا يمر على الحياة كلها في اللحظة الأخيرة فيجعلها مرا مهما كانت حلوة.
كما ويعني أوسع من ذلك إنفاقهم على كره فإنه عذاب فوق عذاب النفاق ، حيث النفاق بنفسه عذاب يجعل الإنسان حيران في ازدواجية