فَنادى. فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى. فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) (٧٩ : ٢٠ ـ ٢٥).
فقول الملإ : «وآلهتك» كان في الموقف الأول بعد خسارهم في المباراة ، وقوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) كان في حشر ثان تجديدا للبيعة وقبيل ما أخذه الله نكال الأولى حيث أغرقه وملأه.
وهكذا ترفّع الطاغية الذي كان يحسبه في عداد سائر الآلهة أنه الرب الأعلى ، ثم خطوة ثالثة هي توحيده في ألوهيته : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ..) (٢٨ : ٣٨).
ولأنه في دعوى ربوبيته الأعلى ثم توحيده فيها يخاطب قومه ، فقد يعني أعلى الربوبيات وتوحيدها بين قومه فقط دون العالمين أجمعين ، وقد لا ينافي ذلك أن كانت لهم آلهة غيره ، حيث هو الأعلى وغيره الأدنى والأوسط ، وانه الوحيد في الربوبية العليا.
وهنا الإفساد في الأرض المدعى على موسى لا يعني إلّا الدعوة إلى توحيد الربوبية الذي يصادم ألوهة فرعون الأعلى وسواها ، وألوهة سائر الإلهة ، حيث التوحيد يعني ـ تلقائيا ـ بطلان شرعية الحكم الفرعوني وقلب نظامه عن بكرته.
ف (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) تناقض تماما (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) فليقض على كلمة التوحيد بداعيتها والذين معه استقلالا للحكم الفرعوني فيبقى دون منازع ولا ندّ.
(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١٢٨).
طمأنة بالغة من موسى الرسول لقومه المهدّدين بتكرار العذاب المتواتر عليهم قبل أن يأتيهم ، وذلك على قواعد أربع يبنى عليها صرح الإيمان والاطمئنان.
١ (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) في هذه الورطة الحالكة الهالكة ٢ «واصبروا» في