فليس ذلك الموقف من المؤمن الهداية الأولى المتحري عنها ، ولا من الكافر الضلالة الأولى العامل لها ، إنما هما هدى بعد هدى وضلالة بعد ضلالة جزاء من ربك عطاء حسابا أو عقابا وفاقا.
ذلك ، ولأن المهتدي لا يسطع على طليق الهدى إلّا قدر ما يسطع فالله هو الذي يطلق هداه بما يشرح صدره للإسلام ، وكذلك الضال لا يسطع أن يجعل ضلاله طليقا فالله هو الذي يطلق ضلاله حتى لا يسطع ـ بعد ـ على هدى
ذلك ، والمنشرحة صدورهم ، النيرة قلوبهم : «هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى» (١٤٧ ح / ٥٩).
(وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦) :
إن (صِراطُ رَبِّكَ) صراطان ، صراط ربوبيته الخاصة به : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١١ : ٥٦) (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) (١٥ : ٤١).
وصراط جعله للسالكين إلى مرضاته : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وأين صراط من صراط؟.
والمعني هنا من (صِراطُ رَبِّكَ) هو الأول ، صراط الابتلاء لعباده شرحا لصدور وتضييقا لأخرى ، «مستقيما» لا عوج له إذ ليس ظلما بالعباد بل هو فضل لطائفة وعدل لآخرين.
وقد يعني (هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) اضافة إلى هذا ، الصراط الثاني فإنهما لا يختلفان في كونهما (صِراطُ رَبِّكَ) مهما اختص سلوك