الآية وأشباهها ، ك : ان الهداية والضلالة إنما هما من الله وليس للمهتدي والضال أية حيلة في هداية أو ضلال؟ والقرآن يجيب في عشرات من الآيات عن أمثال هذه الشطحات أن هذه الهداية والضلالة اللتين ينسبهما الله إلى نفسه ، إنهما ليستا بدائيتين دون سابقة ، بل هما جزاء ، ف (الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (٤٧ : ١٧) (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٦١ : ٥) فإنما يريد الله أن يشرح صدور الذين هم في طريق الهدى فيؤيدهم ويوفقهم لها من فضله ، ويريد تضييق صدور الذين هم في طريق الردى مصرّين عليها فيسد عليهم أبواب الهدى فتحا لأبواب الردى جزاء وفاقا من عدله.
ففي البداية يزيّن الله الإيمان في قلوب المكلفين ، فإذا زاغت بما تخلفت أزاغها الله ، وإن صاغت وتابعت شروطا للإيمان هداها الله ، ف (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) (٢٧ : ٤) (.... وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (٤٩ : ٧) وعلى الجملة : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٦ : ١٠٨).
أجل (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) وأما الذين يؤمنون فقد يشرح صدورهم للإسلام ، فليس من الله إلّا العدل بالنسبة للذين لا يؤمنون والفضل للذين يؤمنون : ف (مَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).
إذا (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) هو المهتدي أولا أو القابل لها في صميمه والساعي لها ، والهدى الثانية هي الإسلام لله حقا بعد ظاهر الإسلام والايمان ، ثم (مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) هو من الذين لا يؤمنون ، كما قال الله : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).