والأرض» حيث المحدودية والأفول دليل الإنفطار ، والفطرة المتحرية عن الله لا يصدق محدودا آفلا أنه هو الله ، فكما الفطرة تتحرى عن الفاطر غير المنفطر ، كذلك الخلق المنفطر دليل على الفاطر غير المنفطر ، تجاوبا بين كتابي الآفاق والأنفس في توحيد الله.
وهنا «فطر» لمحة لامعة إلى قضية دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وأنها تحكم بانفطار الآفلين ، فانفطار المنفطرين دليل فطر الفاطر وما أحسنه دليلا! فقد فطر الله الإنسان على معرفته ، وفطر الكائنات دليلا على ربوبيته ، وهي كلها آياته : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ...).
فإبراهيم الخليل يصوّر هنا في حجاجه صورة التحري عن ربه في مظهر الشاكّ بديلا عمن كانوا يعبدون هذه الإجرام ، ف «هذا ربي» هي من مقالتهم وهو ينقلها لينقلهم منها إلى الذي فطر السماوات والأرض.
فمهما كانت «هذا ربي» إشراكا ممن يعتقده ، «فلم يكن من إبراهيم شرك وإنما كان في طلب ربه وهو من غيره شرك» (١) «وإنه من فكر من الناس في مثل ذلك فإنه بمنزلته» (٢).
فالشك المتحري عن يقين هو شكّ مقدّس فيعتبر من الإيمان ، والشك المدنس هو الجامد الجاحد دون أي تحر إلّا تجريا على الحق المرام.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٣٧ من تفسير القمي وسئل أبو عبد الله (ع) عن قول ابراهيم «هذا ربي» أشرك في قوله : هذا ربي؟ فقال : لا. بل من قال هذا اليوم فهو مشرك ، ولم يكن ...
(٢) المصدر ٧٣٨ في تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال في ابراهيم (ع) إذا رأى كوكبا قال : إنما كان طالبا لربه ولم يبلغ كفرا وانه من فكر ...