الشهداء إلّا وسيطة بين الله والمكلفين من عبادة دونما استقلال لهم أو استغلال ، فالله هو الذي أشهدهم تلقيا كما أشهد أعضاءهم كلهم والأرض بأجواءها وأشهد الكرام الكاتبين.
وليست هذه الشهادات الأربع يوم يقوم الأشهاد إلّا لشهادة الله ، لو أنهم تشككوا فيها ، فليس لهم نكران شهادات أعضاءهم والأرض بما عليها ، مهما اجترءوا على التشكك في سائر الشهادات.
(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١١٨) :
يا لله لمسيح الله في موقفه ذلك الرهيب العجيب! وأين أولئك الذين أطلقوا عليه هذه الفرية الرهيبة العجيبة ، سواء أكانوا متخذيه وأمه إلهين من دون الله ، أو المكتفين بهذه الفرية القاحلة الجاهلة نقلا وتناقلا ، حيث يتبرّأ منها ذلك العبد الصالح الطاهر ذلك التبرؤ الواجف بموقفه منهم الراجف ، ابتهالا من أجلها إلى ربه ذلك الابتهال المنيف المنيب؟!
هنا تسمع المسيح بعد ما أجاب ما أجاب بكل تأدب في ذلك الاستجواب ، تسمعه يحاول أديبا أريبا لبيبا أن يغفر الله من يصلح للغفر منهم تقديما لحق العذاب : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) أولاء الناقلين عني ما نقلوه من فاتكة الفرية وهاتكتها ، (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) ولك أن تعذبهم استحقاقا حقيقا.
__________________
ـ فقال : ايها الناس انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قرأ (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) ثم قال : ألا وإن أوّل الخلائق يكسى يوم القيامة ابراهيم ألا وإنه يجاء برجال من امتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب اصحابي اصحابي فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فيقال : أما هؤلاء لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم.