وهنا يبرّئ المسيح نفسه من هذه التقولة الحمقاء : (قالَ سُبْحانَكَ) من هذه الأقاويل (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) من هذا وسواه من باطل (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) إذ أنت (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) ما ظهر منها وما بطن (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) حيث (إِنَّكَ أَنْتَ) لا سواك (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) والنفس المضاف إلى صاحبها تعني نفس الذات ، فلا تدل إذا على أن لله نفسا كما لمن سواه.
هذا (وَإِذْ قالَ اللهُ) حكاية عن الماضي دون مستقبل القيامة أم والبرزخ ف (ما دُمْتُ فِيهِمْ) لا تعني فترة حياته ، بل هي حياته فيهم ، ثم (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) تعني رفعه إليه كما قال : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ) فقد كان ذلك القول بعد ذلك التوفي.
وأما (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) فالمشار إليه هو يوم العذاب والرحمة فهو منذ البرزخ إلى القيامة (١).
وهنا (إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) تعني أنهم اتخذوا بعد الله ودونه هذين : الابن والأم ـ الإلهين ، وقد اعتقدوه في وجهين اثنين : أن الله تحول إلى رحم مريم فأصبح بصورة المسيح ، وإذا فلا إله أصلا إلّا المسيح ، ثم أمه لأنه والدته ، أو أن الله أولد المسيح من مريم وهو باق في ألوهيته بلا انتقال إلّا جزء منه صار هو المسيح ، ف (مِنْ دُونِ اللهِ) ما تتحملهما معا حيث تعني الإشراك بالله من هو أدنى منه.
__________________
قال : ولذلك كان أجداد الكرمليين اوّل من آمن ايضا بالإله يسوع بعد الرسل والتلامذة وأول من اقام للعذراء معبدا بعد انتقالها الى السماء بالنفس والجسد.
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٤٩ ـ اخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله سمع النبي (ص) يقول : إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم ودعى كل أناس بإمامهم ، قال ويدعى عيسى فيقول لعيسى يا عيسى أأنت قلت ..